السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أرجو المعذرة على طول الموضوع ولكنه في غاية الأهمية .
ما رأي فضيلتكم فيما ورد في هذا الموضوع وكيف أستطيع الرد عليه:
خمسون دليلا على عدم وجوب النقاب-
الحمد لله الذى بتحميده يستفتح كل كتاب، وبذكره يصدر كل خطاب، وبحمده يتنعم أهل النعيم فى دار الثواب.
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد و على آله وصحبه صلاة ننجوا بها يوم العرض والحساب وتمهد لنا عند الله زلفى وحسن مئاب .
فى الحقيقه ونفس الامر ان الجدل فى القضايا الخلافيه لن ينتهى ببحث يحرر او حتى بكتاب يؤلف، وما دامت اسباب الاختلاف قائمه فلن يزول الاختلاف بين الناس، وان كانوا مسلمين متدينين بل قد يكون التدين احيانا من اسباب حدة الخلاف حيث يتحمس كل طرف لرأيه الذى يعتقد انه الحق،اما بعد
سيظل الاختلاف قائما ما دامت افهام البشر متفاوته فى القدره على الاستنباط ومدى الاخذ بظاهر النص او بفحواه، بالرخصه او بالعزيمه، بالاحوط ام بالايسر، سيظل الاختلاف قائما مادام فى الناس من يأخذ بشدائد ابن عمر ومن يأخذ برخص ابن عباس، ومادام فيهم من يصلى العصرفى الطريق ومن لا يصليها الا فى بنى قريظه، وقد اختلف الصحابه ومن تبعهم بإحسان فى فروع الدين فما ضرهم ذلك ووسع بعضهم بعضا، وصلى بعضهم وراء بعض، دون ان يكفر بعضهم بعضا ولا حتى ينكر بعضهم على بعض.
ومع ايماننا بأن الخلاف سيظل قائما فقد اجرينا هذا البحث حول قضية النقاب ( غطاء الوجه ) فى هذا الوقت الذى كثر فيه الجدل وتعالت فيه الاصوات حول هذه المسألة ما بين مؤيد ومعارض و ما بين موقن ومرتاب .
وقد تضمن البحث خمسين دليلا على عدم جواز النقاب فى حق نساء المؤمنين من خلال ستة محاوررئيسيه :
المحور الأولالأدله من القرآن الكريم1- قوله تعالى
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور آيه (30)
ويتبين هنا من امر الله للمؤمنين بغض ابصارهم ان وجوه النساء مكشوفه فلو كانت الوجوه كلها مستوره وكان كل النساء منقبات
فما وجه الحث على غض الابصار ؟
وماذا يخشى ان تراه الابصار اذا لم تكن الوجوه سافره يمكن ان تجذب الابصار ؟
2- قول تعالى
( لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ) الاحزاب آيه ( 52)
فمن اين يعجبه حسنهن اذا لم يكن هناك مجال لرِؤيه الوجه الذى هو مجمع المحاسن للمرأه باتفاق؟
3- قوله تعالى
( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور آيه (31)
وهنا يستثنى الحق سبحانه وتعالى زينه المرأة الظاهره وهى وجهها وكفيها وذلك باجماع جمهور المفسرين كما سنعرض له بالتفصيل.
فالزينه الظاهره هى الوجه والكفين لان المستثنى لا بد ان يكون من جنس المستثنى منه فالحق استثنى الزينه الظاهره من زينه المرأه فلا بد ان تكون الزينه من ذات المرآه وهى الوجه والكفين.
اما من قال ان الزينه الظاهره يقصد بها الثياب فيجاب بان الاستثناء فى الآيه قصد التيسير و الرخصه وظهور الثياب الخارجيه كالعبائه ونحوها امر اضطرارى لا رخصه فيه ولا تيسير فالثياب تظهر شاءت المرآه ام ابت .
4- قوله تعالى فى شأن المؤمنات
( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور آيه (31)
فالخمر
جمع خمار ( وهو غطاء الرأس و الجيب والصدر و يظهر الوجه والكفين وليس له شكل معين فأى ثوب يؤدى هذا الغرض فهو خمار )
والجيوب
جمع جيب وهو فتحه الصدر من القميص ونحوه.
فأمر النساء المؤمنات ان يسدلن ويلقين بخمرهن واغطيه رؤوسهن بحيث تغطى النحور والصدور ولايدعنها مكشوفه كما كان نساء الجاهليه يفعلن.
فلو كان ستر الوجه واجبا لصرحت به الآيه فأمرت بضرب الخمر على الوجوه كما صرحت بضربها على الجيوب فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العوره والعنق و الصدر وفيه نص على اباحه كشف الوجه .
المحور الثانىالادله من الحديث الشريف والسنه الصحيحه5- ما رواه ابو داود فى سننه
ان اسماء بنت ابى بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آلهوعليها ثياب رقاق فاعرض عنها وقال
( يا اسماء ان المرآه اذا بلغت المحيض لم يصح ان يرى منها الا هذا وهذا ) واشار الى وجهه و كفيه.
و الحديث حسنه الالبانى فى اكثرمن كتاب من كتبه نذكر منها
( حجاب المرأه المسلمه – الارواء – صحيح الجامع الصغير - تخريج الحلال والحرام )
وايضا الحديث قواه الامام الذهبى والحافظ البيهقى واحتج به الامام احمد .
6- ما رواه الجماعه عن بن مسعود
ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءه فليتزوج فانه اغض للبصر و احصن للفرج )
فلو كانت الوجوه كلها مستوره وكان النساء منقبات فما معنى ان الزواج اغض للبصر اذا كان البصر لا يرى شيئا من النساء ؟ .
7- قوله صلى الله عليه و آله
( اضمنو لى ستا من انفسكم اضمن لكم الجنه واصدقوا اذا حدثتم وادوا اذا ائتمنتم وغضوا ابصاركم ...... ) رواه احمد وابن حبان والحاكم والبيهقى فى الشعب .
ومعلوم ان غض البصر يكون عند مطالعه الوجه بداهة.
8- ما رواه ابو داود فى سننه حديث رقم (2082 )
عن سيدنا جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال
( اذا خطب احدكم امرأه فان استطاع ان ينظر منها الى ما يدعوه الى نكاحها فليفعل )
قال جابر فخطبت امرأه من بنى سلمه فكنت اختبىء لها حتى رأيت منها بعض ما دعانى اليها . رواه ابو داود فى سننه .
9- قوله صلى الله عليه و آله
( لا تتبع النظرة النظرة فانما لك الاولى وليست لك الاخره ) رواه احمد وابو داود و الترمذى و الحاكم عن بريده .
و اتباع النظرة هنا معناه ان الرجل اذا نظر الى المرأه بداهة فرأى ما يستحسنه منها فعليه الا يكرر النظرة اليها .
ولكن كيف يرى ما يستحسنه منها لو كانت منتقبه ؟ .
10- ما رواه الامام مسلم فى كتاب النكاح حديث رقم ( 1403)
ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال (اذا راى احدكم امرأة فاعجبته فليأت اهله فان ذلك يرد ما فى نفسه ) قال الامام الجصاص فى تفسيره احكام القرآن
( ولا يعجبه حسنهن الا بعد رؤيه وجوههن ) .
11- روى البخارى و مسلم
عن عبد الله بن عباس قال ( اردف النبى صلى الله عليه و آله الفضل بن العباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئا فوقف النبى صلى الله عليه و آله للناس يفتيهم واقبلت امراة من خثعم وضيئه تستفتى النبى صلى الله عليه و آله
فطفق الفضل ينظر اليها واعجبه حسنها فالتفت النبى صلى الله عليه و آله والفضل ينظر اليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر اليها )
فلو كان الوجه عوره يلزم ستره لما اقرها النبى صلى الله عليه و آلهعلى كشفه بحضره الناس ولأمرها ان تغطى وجهها.
ولو كان وجهها مغطى لما عرف الفضل ابن عباس احسناء هى او شوهاء .
وروى الترمذى هذه القصه من حديث الامام على كرم الله وجهه جاء فيها
( ولوى النبى صلى الله عليه و آله عنق الفضل . فقال العباس : يا رسول الله لم لويت عنق بن عمك ؟ قال: رأيت شاب وشابه فلم آمن الشيطان عليهما ) رواه الترمذى حديث رقم (885) باب الحج
وقال : حديث حسن صحيح .
وقد استنبط بن القطان من هذا الحديث جواز النظر عند أمن الفتنه حيث لم يأمرها النبى بتغطيه وجهها . فلو لم يفهم العباس ان النظر جائز ما سأ ل سؤاله و لو لم يكن ما فهمه جائزا ما اقره عليه النبى صلى الله عليه و آله ولأنكر عليه السؤال اصلا .
ولا حجه فى الحديث ان المرأه كانت محرمه فى الحج لان الواقعه كانت بعد النحر اى بعد التحلل من الاحرام .
12- ما رواه سيدنا عمار بن ياسر
ان رجلا مرت به امرأه فاحدق بصره اليها فمر بجدار فمرس ( جرح ) وجهه فأتى رسول الله صلى الله عليه و آله ووجهه يسيل دما فقال يا رسول الله انى فعلت كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه و آله
( اذا اراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه فى الدنيا وان اراد به غير ذلك امهل عليه بذنوبه حتى يوافى بها يوم القيامه كأنه عير )
اى كانه ( حماروحشى ) الحديث اورده الهيثمى فى مجمع الزوائد (10-192) ورواه الطبرانى واسناده جيد .
فدل هذا الحديث على ان النساء كن سافرات الوجوه وكان منهن من تلفت بحسنها انظار الرجال الى حد الاصطدام بالجدار وحتى يسيل وجهه دما .
13- ما اورده السيوطى فى الدر المنثور فى تفسير الايه (31) من سوره النور
ان السيدة عائشة قالت : دخلت على ابنة اخى لأمى عبد الله بن الطفيل وهى متزينه فدخلت عن النبى صلى الله عليه و آله فأعرض فقلت انها ابنة اخى وجاريه فقال
( اذا عركت المرأة ( بلغت الحلم ) لم يحل لها ان تظهر الا وجهها وإلا ما دون هذا )
وقبض على ذراع نفسه فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة اخرى. رواه الطبرى فى تفسيره ج 18 ص 93 .
14- ما روته السيده عائشة
ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال
( لا تلثم المرأه ولا تتبرقع ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران ) الحديث رواه البخارى فى صحيحه باب ما يلبس المحرم من الثياب .
15- ما روى عن عبد الله بن عمر
ان النبى صلى الله عليه و آله قال ( لا تنتقب المحرمه ولا تلبس القفازين ) رواه البخارى واحمد وابو داود والنسائى ومالك فى الموطأ .
واستدل كثير من الفقهاء بهذا الحديث ان الوجه والكفين ليسا بعوره والا لما اوجب كشفهما فى الاحرام . وقد يقول بعض الناس ان الامر بكشف الوجه فى الحج او فى الصلاة يفيد ان الوجه يجب ستره فيما وراء ذلك وان على المرأه ارتداء النقاب و القفازين .
ونقول ان هذا استدلال مرفوض لأن محظورات الاحرام اشياء كانت مباحه فى الاصل مثل لبس المخيط و الطيب و الصيد و نحوها و ليس منها شيئا كان واجبا ثم صار بالاحرام محظورا .
بل ان هذا الاستدلال يعنى ان الله سبحانه اذا امر الحجاج بتعرية رءوسهم فى الاحرام كان ذلك يفيد ان الرءوس تغطى وجوبا فى غير الاحرام ؟
من قال ذلك من شاء غطى رأسه ومن شاء كشفه .
16- ما جاء فى البخارى ومسلم عن السيدة عائشة
قالت ( كن نساء مؤمنات يشهدن مع النبى صلى الله عليه واله صلاة الفجر متلحفات بمروطهن ( اى مستورات الاجساد بما يشبه الملاءه ) ثم ينقلبن الى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفن من الغلس ) والحديث يدل بمفهومه ان هؤلاء النساء كدن ان يعرفن لولا الغلس اى الظلمة التى بعد الفجر ولا يعرفن الا اذا كن سافرات الوجوه .
17- ما رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن سهل بن سعد
ان امرأه جائت الى رسول الله صلى الله عليه و آله فقالت يا رسول الله جئت لاهب لك نفسى فنظر اليها رسول الله صلى الله عليه و آلهفصعد فيها النظر وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت انه لم يقض فيها شيئا جلست . فقام رجل من الصحابه فقال : يا رسول الله الم يكن لك بها حاجه فزوجنيها فقال
( اذهب فقد انكحتها بما معك من القرآن ) .
ولو لم تكن سافره الوجه فما معنى نظره صلى الله عليه و آله اليها واطالته النظر تصعيدا وتصويبا .
ولم يرد انها فعلت ذلك للخطبه ثم غطت وجهها بعد ذلك بل ورد انها جلست كما جاءت فرآها الصحابى وطلب الزواج منها .
18- ما رواه الامام مسلم فى صحيحه (ج3 ص19) عن جابر بن عبد الله
قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و آله يوم عيد فبدأنا بالصلاة قبل الخطبه الى ان قال: ثم مضى حتى اتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فان اكثركن حطب جهنم
فقامت امرأه من سطة النساء ( اى من خيارهن ) سفعاء الخدين ( اى حمره مشوبه بالسواد )
فقالت لم يا رسول الله؟ قال : ( لأنكن تكثرن الشكاه وتكفرن العشير ) فجعلن يتصدقن من حليهم يلقين فى ثوب بلال من اقراطهن وخواتمهن .
و السؤال هنا من اين لجابر ان يعرف انها سفعاء الخدين اذا كان وجهها مغطى بالنقاب ؟
ولم اقرها صلى الله عليه و آله على سفور وجهها ان كان النقاب واجبا ؟
19- ما رواه البخارى ومسلم فى صحيحهما
ان سبيعه بنت الحارث كانت تحت سعد بن خوله وهو ممن شهد بدرا وقد توفى عنها فى حجه الوداع وهى حامل فلم تنشب ( اى لم تلبث ) ان وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت ( اى خرجت من نفاسها ) تجملت للخطاب فدخل عليها ابو السنابل بن بعك وقال لها :
مالى اراك متجمله ؟ لعلك تريدين النكاح !انك والله ما انت بناكحة حتى تمر عليك اربعة اشهر وعشر . قالت سبيعه : فلما قال لى ذلك جمعت ثيابى حين امسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه و آله وسألته عن ذلك فأفتانى انى قد حللت حيث وضعت حملى وامرنى بالتزويج ان بد الى .
فدل هذا الحديث على ان سبيعه ظهرت متجملة امام ابى السنابل وهو ليس بمحرم لها بل هو ممن تقدم لخطبتها بعد .
ولولا انها سافرة الوجه ما عرف إن كانت متجمله ام لا .
20- إستغراب الصحابه لبس النقاب
وذلك فيما رواه ابو داود فى السنن فى باب الجهاد حديث رقم (2488) عن قيس بن شماس قال:
جاءت امرأة الى النبى صلى الله عليه و آله يقال لها ام خلاد وهى منتقبه تسأل عن ابنها وهو مقتول فقال لها بعض اصحاب النبى صلى الله عليه و آله جئت تسألين عن ابنك وانت منتقبه ؟ فقالت : ان أرزأ ابنى فلن أرزأ حيائى !
·والحديث فيه دلالة انه لو كان النقاب امرا معتادا للنساء فى ذلك الوقت ما كان هناك وجه لقول الراوى : انها جائت وهى منتقبه
·وما كان هناك معنى لاستغراب الصحابه وقولهم لها جئت تسألين عن ابنك وانت منتقبه ؟
·وايضا رد المرأة يدل على أن حيائها هو الذى دفعها الى الانتقاب وليس امر الله ورسوله ولو كان النقاب واجبا شرعيا لاجابت بغيرهذا الجواب بل ما صدر السؤال أصلا
·فالمسلم لايسأل لماذا أقام الصلاه أو آتى الزكاه. وفى القواعد المقرره :
ما جاء على الاصل لايسأل عن علته.
21- ما رواه البخارى عن بن عباس
انه شهد العيد مع رسول الله صلى الله عليه و آله وانه عليه السلام خطب بعد ان صلى ثم اتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وامرهن ان يتصدقن
قال بن عباس ( فرأيتهن يهوين بأيدهن يقذفنه فى ثوب بلال )
ودلاله هذا الحديث ان ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه و آله يرى ايدهن فصح بذلك ان اليد من المرأه و الوجه ليستا بعوره .
22- ما رواه بكر بن عبد الله المزنى عن المغيره بن شعبه
انه خطب امرأه فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله ( انظرت اليها ؟ قال لا قال انظر فانه احرى ان يؤدم بينكما ) رواه الترمذى والدارقطنى وابن ماجه .
وفى الامر بالنظر اليها دليل على سفور وجهها و كونها غير منتقبه .
23- عن ابى هريره قال :
كنت عند النبى صلى الله عليه و آله فأتى رجل فاخبره انه خطب امرأه من الانصار فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله ( انظرت اليها ؟ قال لا قال فاذهب فانظر اليها فان فى اعين الانصار شيئا ) رواه مسلم حديث رقم ( 1424) و الدارقطنى .
والحديث فيه دلاله على كون المرأة غير منتقبه .
24- ما ورد ان كرائم الصحابيات يكشفن وجوههن بدليل ما اورده مسلم فى صحيحه حديث رقم (1000)
عن زينب امرأة عبد الله قالت : كنت فى المسجد فرأيت النبى صلى الله عليه و آله فقال: تصدقن ولو من حليكن – وكانت زينب تنفق على زوجها عبد الله و ايتام فى حجرها –
فقالت لعبد الله سل رسول الله صلى الله عليه و آله ايجزى عنى ان انفق عليك وعلى ايتام فى حجرى من الصدقه فقال : سلى انت رسول الله صلى الله عليه و آله
فانطلقت الى النبى صلى الله عليه و آله فوجدت امرأة من الانصار على الباب حاجتها مثل حاجتى .
فمر علينا بلال فقلنا سل انبى صلى الله عليه و آله ايجزى عنى ان انفق على زوجى وايتام لى فى حجرى وقلنا : لا تخبر بنا فدخل فسأله فقال: من هما قال زينب قال اى الزيانب قال : امرأه عبد الله . قال : نعم لها اجران اجر القرابه واجر الصدقه .
ودلاله الحديث فى انه لولا ان عامة النساء كن سافرات الوجوه ويتعرف عليهن الرجال تبعا لذلك لما سأل رسول الله صلى الله عليه و آله من هما ولما تعرف عليها بلال وقال امرأة عبد الله .
25- ما رواه البخارى فى صحيحه عن عون بن ابى جحيفه عن ابيه
قال : ( آخى النبى صلى الله عليه و آله بين سلمان وابى الدرداء . فزار سلمان ابا الدرداء فرأى ام الدرداء متبذله فقال لها ما شأنك ؟ قالت اخوك ابو الدرداء ليس له حاجه فى الدنيا ) .
فكانت معرفه سلمان انها متبذله دليل على رؤيته لوجهها .
المحور الثالثالادلة من تفسير علماء الصحابه26- ما اخرجه ابن ابى شيبه وعبد بن حميد و ابن ابى حاتم عن الصحابى الجليل عبد الله بن عباس فى قوله تعالى ( الا ما ظهر منها )
قال : وجهها وكفاها و الخاتم .
27- ما اورده السيوطى فى الدر المنثور واخرجه بن جرير عن سيدنا سعيد بن جبير فى قوله تعالى ( الا ما ظهر منها )
قال الوجه و الكف .
28- ما اخرجه ابن جرير عن سيدنا عطاء بن يسار فى قوله تعالى ( الاما ظهر منها )
قال: الكفان و الوجه .
29- ما اخرجه ابن ابى شيبه عن سيدنا عكرمه فى قوله ( الا ما ظهر منها )
قال: الوجه وثغرة النحر .
30- ما اخرجه عبد الرازق وابن جرير عن سيدنا قتاده انه قال : بلغنى ان النبى قال
( لايحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إلا ها هنا ويقبض نصف الذراع ) اورده السيوطى فى الدرالمنثور .
31- ما اخرجه عبد الرازق وابن جرير عن سيدنا المسور ابن مخرمه فى قوله تعالى ( الا ما ظهرمنها )
قال القلبين ( السوار ) والخاتم والكحل . فالخاتم زينة الكف والكحل زينة الوجه .
32- مااخرجه ابن المنذر عن سيدنا انس ابن مالك فى قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها )
قال: الكحل والخاتم .
المحور الرابعالادله من رأى أئمة التفسير33- تفسيرالبيضاوى المسمى ( أنوار التنزيل واسرارالتأويل )
فقال عندما تعرض للآيه (31) من سورة النور " الاما ظهر منها "
( عند مزاولة الاشياء كالثياب والخاتم فإن فى سترها حرجا وقيل المراد بالزينه مواضعها على حذف المضاف او مايعم المحاسن الخلقيه والتزيينيه والمستثنى هو الوجه والكفان لانها ليست بعوره ) .
34- تفسير الطبرى المسمى ( جامع البيان عن تفسير القرآن )
بعد ان ذكر اكثر من راى فى تفسير ( الا ما ظهر منها ) قال :
( واولى الاقوال فى ذلك بالصواب قول من قال : الوجه والكفين ).
35- تفسيرالقرطبى المسمى ( الجامع لاحكام القرآن )
فيقول الامام القرطبى
( لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعباده .وذلك فى الصلاة والحج فيصلح ان يكون الاستثناء راجع اليهما ).
36- تفسير البغوى المسمى ( معالم التنزيل )
فقال ما نصه
( وإنما رخص فى هذا القدر- الوجه والكفان - ان تبديه لانهما ليسا بعوره وتؤمر بكشفه فى الصلاة .وسائر بدنها عوره يلزمها ستره ).
37- تفسير ابو الحسن الخازن المسمى ( لباب التأويل فى معانى التنزيل )
فقال فيه ما نصه
( وإنما رخص فى هذا القدر للمرأه أن تبديه من بدنها لانه ليس بعوره وتؤمربكشفه فى الصلاة ).
38- تفسير ابن كثير المسمى ( تفسير القرآن العظيم )
فقال بعد ماعرض لاقوال بعض الصحابه المؤيده ان المستثنى فى الآيه هما الوجه والكفان قال
( والمشهورعند الجمهور ان ابن عباس ومن تابعه ارادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين ).
39- تفسير الجلالين :
وجاء فيه ما نصه ( ولايبدين زينتهن ) الخفيه وهى ما عدا الوجه والكفين ( الا ما ظهر منها ) هو الوجه والكفان .
40- تفسيرالواحدى المسمى ( الوجيز )
قال ما نصه
)الا ما ظهر منها ) وهى الثياب والكحل والخاتم والخضاب والسوار. فلا يجوز للمرأه ان تظهر الا وجهها وكفيها .
41- تفسير ابو بكر الرازى ( الجصاص ) المسمى ( أحكام القرآن )
يقول ما نصه
( ويدل على ان الوجه والكفين ليس بعوره ايضا انها تصلى مكشوفة الوجه واليدين ) .
المحور الخامسالادلة من رأى ائمة المذاهب والفقهاء42- مذهب الحنفيه :
فجاء فى كتاب الاختيار وهو مرجع للمذهب الحنفى ما نصه
( ولا ينظر الى الحره الاجنبيه الا الى الوجه و الكفين ان لم يخف الشهوه وعن ابى حنيفه انه زاد القدم لان فى ذلك ضروره للاخذ والاعطاء ومعرفة وجهها عند المعامله مع الاجانب لاقامة معاشها ومعادها )
وجاء فى بدائع الصنائع للكسائى ( ج4 ص266 )
( لا يحل النظر للاجنبى من الاجنبيه الحره الا مواقع الزينه الظاهره وهى الوجه والكفان رخص بقوله تعالى" ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها "
و المراد من الزينه الظاهره الوجه والكفان فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف ) .
43- مذهب المالكيه :
فجاء فى الشرح الصغير لسيدى احمد الدردير المسمى اقرب المسالك لمذهب مالك ما نصه
( وعورة الحره مع الرجل الاجنبى منها اى ليس بمحرم لها جميع البدن غير الوجه والكفين واما هما فليسا بعوره .)
44- مذهب الشافعيه :
قال الامام الشافعى فى كتابه الام ج1ص89
( وكل المرأه عوره الا كفيها ووجهها )
قال الشرازى صاحب " المهذب " وهو من الشافعيه ما نصه
( واما الحره فجميع بدنها عوره الا الوجه والكفين ) .
45- مذهب الحنابله :
فقال ابن قدامه فى المغنى ج1ص522
( لا يختلف المذهب فى انه يجوز للمرأة كشف وجهها فى الصلاه وانه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها .
ثم يقول : وقال ابو حنيفه القدمان ليسا بعوره فهما كالوجه وقال مالك والاوزاعى والشافعى جميع المرأه عوره الا وجهها وكفيها ) .
46- ما ثبت عن ائمة الفكر السلفى ( الذى يتبنى فكرة النقاب ) امثلة ابن كثير وابن تيميه والالبانى وابن العثيمين.ما ثبت عن ائمة الفكر السلفى ( الذى يتبنى فكرة النقاب )
فاما ابن كثير فيقول فى تفسيره ما نصه
(عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس " ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها " قال وجهها و كفيها و الخاتم وروى عن ابن عمر وعطاء و عكرمه وسعيد ابن جبير وابى الشعثاء والضحاك وابراهيم النخعى وغيره نحو ذلك )
اما ابن تيميه فقال فى المحرر فى الفقه ج1ص 42
( وكل الحره عوره سوى وجهها وفى كفيها روايتان )
اما الالبانى
فقد اقر صحة حديث السيده اسماء الذى قال لها فيه رسول الله صلى الله عليه و آله "يا اسماء ان المرأه اذا بلغت المحيض لم يصلح ان يرى منها الا هذا وهذا واشار الى الوجه والكفين "
واورده الالبانى فى صحيحه فى باب ( صحيح سنن ابو داود )
وقال عنه حديث صحيح .
اما ابن العثيمين فقد قال فى كتاب ( فتاوى نسائيه عصريه ص18 ) وكان يجيب على سؤال عن حكم لبس النقاب و البرقع فقال ما نصه
( فى وقتنا هذا لا نفتى بجوازه بل نرى منعه. وذلك لانه ذريعه الى التوسع فى مالا يجوز. ولهذا لم نفتى امرأة من النساء لا قريبه ولا بعيده بجواز النقاب او البرقع فى اوقاتنا هذه بل نرى انه يمنع منعا باتا وان على المرأه ان تتقى ربها فى هذا الامر والا تنتقب لان ذلك يفتح باب شر لا يمكن اغلاقه فيما بعد ) .
47- فان الاصل براءة الذمم من التكاليف. ولا تكليف الا بنص ملزم لذى كان موضوع الايجاب و التحريم فى الدين مما يجب ان يشدد فيه ولا يتساهل فى شأنه حتى لا نلزم الناس بما لم يلزمهم به الله . او نحرم عليهم ما احل الله لهم او نحل لهم ما حرم الله عليهم . او نشرع فى الدين ما لم يأذن به الله تعالى ولهذا كان ائمة السلف ( الحقيقيين ) يتورعون من اطلاق كلمة حرام الا فيما علم تحريمه جزما .ما ثبت انه لاتكليف ولا تحريم الا بنص صحيح صريح .
فالاصل فى الاشياء الاباحه ما لم يوجد نص صحيح الثبوت .
صريح الدلاله على التحريم يبقى الامرعلى اصل الاباحه ولا يطالب المبيح بدليل لان ما جاء على الاصل لا يسأل عن علته . انما المطالب بالدليل هو المحرم . وفى موضوع كشف الوجه والكفين لا نرى نصا صحيحا صريحا يدل على تحريم ذلك ولو اراد الله ان يحرمه لحرمه بنص بين يقطع كل ريب فقد قال سبحانه ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم اليه ) الانعام آيه 119 .
ولم نجد هذا فى ما فصله لنا جل شأنه فليس لنا ان نشدد فيما يسر الله فيه حتى لا يقال لنا ما قيل لقوم حرموا الحلال من المطعومات ( قل آلله اذن لكم ام على الله تفترون ) يونس59 .
48- فتعامل المرأه مع الناس فى امور معاشها يوجب ان تكون شخصيتها معروفه للمتعاملين معها بائعه او مشتريه او موكله او وكيله او شاهده او مشهود عليهاضرورة التعامل توجب معرفة الشخصيه
ومن ثم نجد ان الفقهاء مجمعون على ان تكشف عن وجهها اذا مثلت امام القضاء حتى يتعرف القاضى و الشهود والخصوم على شخصيتها
ولا يمكن التعرف على شخصيتها و الحكم بانها فلانه بنت فلان ما لم يكن وجهها معروفا للناس من قبل والا فان كشف وجهها فى مجلس القضاء لا يفيد شيئا .
49- ان الزام المرأه المسلمه - وخصوصا فى عصرنا - بتغطية وجهها ويديها فيه من الحرج والعسر الشديد ما فيهالله تعالى قد نفى عن دينه الحرج والعسر والشده
والله تعالى قد نفى عن دينه الحرج والعسروالشده واقامه على السماحه واليسروالتخفيف والرحمه
قال تعالى ( وماجعل عليكم فى الدين من حرج ) الحج78
( يريد الله بكم اليسر ولا يريدبكم العسر ) البقره 185 .
( يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا ) النساء28 .
وقال صلى الله عليه وآله ( بعثت بحنيفية سمحه ) رواه الامام احمد فى المسند .
فهى حنيفيه فى العقيده سمحه فى الاحكام . فقد قرر فقهاءنا فى قواعدهم ان المشقه تجلب التيسير وقد امرنا النبى صلى الله عليه و آلهان نيسر ولا نعسر ونبشر ولا ننفر وقد بعثنا ميسرين ولم نبعث معسرين .
50- ما اثبته الطب الحديث ان ارتداء النقاب يسبب ضررا بالغا بصحة المرأهالنقاب يسبب ضررا بالغا بصحة المرأه
فقد اثبت ان المرأه المنتقبه تستنشق كميه كبيره من ثانى اكسيد الكربون مما يسبب كثير من الامراض الصدريه مثل الربو والالتهاب الرئوى .
هذا بالاضافه الى تأثير بخار الماء ( الناتج من عملية التنفس ) على عينيها فيؤدى الى ضعف البصر . وهذا مشهود ومعاين لدينا لمن يرتدين النقاب لفترات طويله.
وحاشى ان يأمر رسول الله r بأمر يسبب ضررا بالغا بالمرأه التى اوصانا بها فقال :
" رفقا بالقوارير " .
المحور السادسادلة القائلين بوجوب النقاب والتى لم نرد عليها فى ادلة المنعالحق اننا لم نجد للقائلين بوجوب ارتداء النقاب ووجوب تغطية الوجه و اليدين دليلا شرعيا صحيح الثبوت صريح الدلاله سالما من المعارضه بحيث ينشرح له الصدر ويطمئن له القلب .
وكل ما معهم متشابهات من النصوص تردها المحكمات وتردها الادله الواضحات ونذكر هنا اقوى ما استدلوا به ونرد عليهم :
أ- ما رواه الامام أحمد وابو داود وابن ماجه والبيهقى عن السيده عائشه قالت ( كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه و آلهفإذا حاذوا بنا سدلت احدانا جلبابها على رأسها فإذا جاوزونا كشفناه ).
والرد على ذلك ان الحديث لاحجة فيه لوجوه :
1- أن الحديث ضعيف لأن فى اسناده يزيد ابن ابى زياد وفيه مقال. ولايحتج فى الاحكام بضعيف .
2- أن هذا الفعل من السيده عائشه لايدل على الوجوب فإن فعل النبى صلى الله عليه و آله نفسه لايدل على الوجوب بل يدل على الجواز فقط فما بالنا بفعل غيره .
3- ما عرف فى الاصول ان وقائع الاحوال اذا تطرق اليها الاحتمال كساها ثوب الاجمال فسقط بها الاستدلال .
والاحتمال يتطرق هنا بأن يكون ذلك حكما خاصا بأمهات المؤمنين من جملة أحكام خاصه بهن كحرمة نكاحهن بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وتضعيف اجرهن وما الى ذلك . وهذا هو الرأى الذى نرجحه .
4- كيف يتصوران يكون الوجه والكفين عوره يجب سترهما مع الاتفاق على كشفهما فى الصلاه ووجوب كشفهما فى الاحرام .
ب- استدلال بعضهم بقوله تعالى فى نساء النبى صلى الله عليه و آله ( واذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ) .
وفى الرد على ذلك ينبغى ان نعرف معنى الحجاب أولا :
فالحجاب هو الساتر الذى يستر المرأه كلية حتى لا يراها الرجال
وقد يكون ستارا او جدارا اوبابا مغلقا وليس زيا معينا كما يعتقد البعض وينتشر بين عامة الناس
وهو خاص بنساء النبى صلى الله عليه و آله باتفاق أهل العلم .
والدليل على ذلك ما رواه البخارى من قول سيدنا عمر
يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو امرت امهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب. ومن هنا فلا وجه للاستدلال بالآيه لأنها خاصه بنساء النبى صلى الله عليه و آله كما هو واضح
وقول بعضهم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا يرد هنا إذ اللفظ فى الآيه ليس عاما
وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبى مردود لأنه قياس مع الفارق فإن عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن
كما قال تعالى ( يا نساء النبى لستن كأحد من النساء )
ج- ومما استدلوا به ايضا قول بعض المفسرين فى قوله تعالى فى سورة ( يا ايها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن )
فقالوا إن إدناء الجلابيب عليهن يعنى ان هن يسترن بها جميع وجوههن بحيث لا يظهر منهن شىء إلا عين واحده يبصرون بها .
ولنرد هذه الشبهه لابد أن نتعرف على معنى الجلباب ومعنى الإدناء فقد ذكر الامام النووى فى شرح مسلم حديث أم عطيه
أن رسول الله صلى الله عليه و آله أمر النساء بلبس الجلباب لشهود صلاة العيد فقالت امرأه : احدانا ليس لها جلباب فقال صلى الله عليه و آله: لتلبسها صاحبتها من جلبابها .
وهذا يدل على أن الجلباب لم يكن لباسا اساسيا لستر العوره والا لوجب على كل امرأه أن يكون عندها جلباب يخصها .
الأمر الثانى فى معنى الإدناء :
قال عكرمه ( الإدناء أن تغطى المرأه ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها )
فالإدناء هو تقريب شىء من شىء وهو تقريب الجلباب من الارض للتتميز الحره من الأمه والمسلمه من غير المسلمه ولا علاقة له بتغطية الوجه مطلقا .
وبناء على ما سبق فإن قوله تعالى ( يدنين عليهم من جلابيبهن ) لا يستلزم ستر الوجه لغة ولا عرفا ولم يرد بإستلزامه ذلك دليل من كتاب ولا سنه ولا إجماع .
د- هناك دليل يلجأ إليه دعاة النقاب إذا لم يجدوا الادله المحكمه من النصوص . ذالكم هو سد الذريعه فهذا هو السلاح الذى يشهر إذا قلت الاسلحه الأخرى .
ولكن سد الذريعه يقصد به منع شىء مباح خشية أن يوصل إلى الحرام وهو أمر إختلف فيه الفقهاء ما بين مانع ومجوز وموسع ومضيق
لكن المقرر لدى المحققين من علماء الفقه والاصول ان المبالغه فى سد الذرائع كالمبالغه فى فتحها
فكما أن المبالغه فى فتح الذرائع قد تأتى بمفاسد كثيره تضر الناس فى دينهم ودنياهم فإن المبالغه فى سدها قد تضيع على الناس مصالح كثيره أيضا فى معاشهم ومعادهم .
وإذا فتح الشارع شيئا بنصوصه وقواعده فلا ينبغى لنا أن نسده بآرائنا وتخوفاتنا فنحل بذلك ما حرم الله . أو نشرع ما لم يأذن به الله .
وقد تشدد المسلمون فى العصور الماضيه تحت عنوان سد الذريعه إلى الفتنه فمنعوا المرأه من الذهاب إلى المسجد وحرموها بذلك خيرا كثيرا ولم يستطع أبواها ولا زوجها أن يعوضوها ما يمنحها المسجد من علم وموعظه فكانت النتيجه أن كثيرا من النساء المسلمات يعشن ويمتن ولم يركعن لله ركعه واحده . مع أن الحديث الصحيح يقول " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " رواه مسلم .
ومنعت بعد ذلك من المدارس والجامعات وكانت أيضا حجة المانعين سد الذريعه .
أيها الاخوه فى الله يكفينا الأحكام والأداب التى قررها الاسلام لتسد الذرائع إلى الفساد والفتن. من منع التبرج وفرض اللباس الشرعى وتحريم الخلوه ووجوب غض البصر من المؤمنين والمؤمنات وفى هذا ما يغنينا عن التفكير فى مواضع أخرى من عند انفسنا .
نسأل الله أن يكون ما قدمناه من الأدله فيه شفاء لكل قلب أصابه مرض التشدد فى الدين مع أن الكل يعلم قوله صلى الله عليه و آله
وما دفعنا لإجراء هذا البحث الا امتثالا لقوله صلى الله عليه و آله( ولن يشاد الدين أحد الا غلبه ) .
" لا يمنعن أحدا منكم هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه "رواه الترمذى
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً : طريقة أهل العِلْم الراسخين تحرِّي الحق واتِّبَاع الدليل ، والتجرّد عند البحث والمناقشة ، لا أن يدخل الداخل إلى مسألة ما بِخَلْفِية مُعينة ، أو حُكم مُسْبَق ، أو يبحث مسألة ما وهو يَنتصر لِقول مُعيّن !
ولا أن يُؤخذ بعض قول العالِم ويُتْرَك بعضه !
ثانيا : ما استُدِلّ به على عدم وُجوب تغطية المرأة لوجهها ليس فيه مُستمسك ، ولا يصحّ الاستدلال به لأربعة أسباب :
الأول : أن مِن أدلة الحجاب ما كان قبْل نُزول الحجاب ، فلا يصحّ الاستدلال به على ما بعد نُزول آيات الحجاب .
والثاني : أن مِنه ما هو فَهْم للكاتِب - كما سيأتي بيانه - ، والأصل الاحتكام إلى الكتاب والسنة بِفَهْم أهل العِلْم الراسخين .
الثالث : أنه أهْمَل الأدلة الموجبة لِتغطية المرأة لِوجهها .
الرابع : أن طريقة أهل العِلْم حَمْل الدليل الْمُحْتَمَل على الدليل الصريح ، كما سيأتي بيانه في الرد .
ثالثا : بيان ما استَدَلّ به على النحو التالي :
1 – قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) ، حيث اسْتَدَلّ به على : (إن وجوه النساء مكشوفة فلو كانت الوجوه كلها مستورة وكان كل النساء منقبات . فما وجه الحث على غض الأبصار ؟)
والجواب عنه مِن وجهين :
الوجه الأول : أن مِن النساء مَن لا يُؤمَرن بِتغطية وُجوههن ، مثل : الجواري ( الإماء ) ونساء الكفار ، ومَن لا يَلْتزمن بالحجاب الشرعي ، والصغيرات ممن تلفت الأنظار ، وإن كانت دون البلوغ .
قال الإمام البخاري : قال سعيد بن أبي الحسن للحسن : إن نِساء العَجَم يَكْشِفْن صُدورهن ورؤوسهن . قال : اصْرِف بَصَرَك عنهن ، يقول الله عز وجل : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) .
قال قتادة : عما لا يحل لهم .
( خَائِنَةَ الأَعْيُنِ ) من النظر إلى ما نَهى عنه ، وقال الزهري : في النظر إلى التي لم تَحِض من النساء ، لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يُشتهى النظر إليه ، وإن كانت صغيرة ، وكَرِه عطاء النظر إلى الجواري التي يُبَعْن بمكة إلاَّ أن يُريد أن يشتري . اهـ .
وهذا مِن فَهْم السلف للآية ، ولِمعنى غضّ البصر .
وقوله : " إن نساء العجم يكشِفْن صُدورهن ورؤوسهن " فيه دليل على أن نساء العرب لم يَكن ذلك مِن شأنهن .
الوجه الثاني : أن النظر إلى مفاتِن المرأة منْهِيّ عنه ، وإن كانت مُحجّبة حجابا كاملا لا يُرى منها شيء ؛ وقد تُعْرَف المرأة مِن جسمها ، ويوجد مِن الرجال من يفتتن بِالنظر إلى جِسْم المرأة ، ولو كانت مُحجبة ، خاصة إذا كانت المرأة ممتلئة الجسم .
قال مجاهد: إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فَزَيّنها لمن يَنْظُر ، فإذا أدْبَرَت جَلَس على عَجْزها فَزَيّنها لمن يَنظر .
وبهذا يُقضَى على أكثر مِن دليل اسْتَدَلّ به ، كما في ( 6 ) ، ( 7 ) ، ( 9 ) مِن أدلته فيما يتعلّق بِغض البصر .
2 – قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)
حيث قال : (فمن أين يعجبه حسنهن إذا لم يكن هناك مجال لرِؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق؟)
وهذا اسْتِدلال ضعيف لِسببين :
الأول : لأن حُسْن المرأة قد يُعرَف بالوَصْف ، كأن تَصِفه النساء ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لا تُبَاشِر المرأة المرأة فَتَنْعَتها لِزوجها كأنه ينظر إليها . رواه البخاري .
أي لا تَصِفُها لِزَوجها فتقع مِن قلبه موقعا فيُفتن بها .
ومِن هذا الباب مَنْع النبي صلى الله عليه وسلم الْمُخنَّث مِن الدخول على النساء .
فقد روى البخاري ومسلم مِن حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ ، فَقَالَ الْمُخَنَّثُ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ : إِنْ فَتَحَ اللَّهُ لَكُمْ الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلانَ ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُنَّ .
نَقل ابن بطّال عن المهلّب قوله : لَمَّا سَمِع النبي صلى الله عليه وسلم وَصْف الْمُخَنَّث للمرأة بهذه الصفة التي تَهِيم نفوس الناس ، مَنَع أن يَدْخل عليهن ؛ لئلا يَصِفهن للرِّجال فيسقط معنى الحجاب . قال غيره : وفيه مِن الفِقه أنه لا ينبغي أن يَدْخُل على النساء مِن المؤنثين مَن يَفْطن لِمَحَاسِنهن ويُحْسِن وَصْفهن . اهـ .
الثاني : لأن حُسْن المرأة قد يُعْرَض على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجوز للنساء عَرْض أنفسهن على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وعلى الرجل الصالح ، كما بوّب الإمام البخاري : باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح
ثم روى بإسناده إلى ثابت البناني قال : كنت عند أنس وعنده ابنةٌ له . قال أنس : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تَعْرِض عليه نفسها ، قالت : يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس : ما أقل حياءها . واسوأتاه واسوأتاه ! قال : هي خير منك ، رَغِبَت في النبي صلى الله عليه وسلم فَعَرَضَتْ عليه نفسها .
قال ابن حجر : جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه ، فيجوز لها ذلك وإذا رغب فيها تزوجها بشرطه .
وقال عن هذا الحديث وحديث سهل بن سعد : وفي الحديثين جواز عَرْض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه ، وأن لا غضاضة عليها في ذلك ، وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار ، لكن لا ينبغي أن يُصرح لها بالرد بل يكتفي السكوت . وقال المهلب : فيه أن على الرجل أن لا ينكحها إلاَّ إذا وَجَد في نفسه رَغبة فيها . اهـ .
وقال الإمام النووي : وفيه استحباب عَرْض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها . اهـ .
وقال ابن كثير : وقوله : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) يعني : لِصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهنّ مِن كلامهن الرخيم ، وتعطفهن في المشية وحَركاتهن ، فإذا كان الطفل صغيرًا لا يَفهم ذلك ، فلا بأس بِدُخوله على النساء . فأما إن كان مُرَاهِقا أو قَريبا منه ، بحيث يَعْرِف ذلك ويَدْرِيه ، ويُفَرِّق بين الشوهاء والحسناء ، فلا يُمَكّن مِن الدخول على النساء . اهـ .
3 – قوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) .
وقوله : (يستثنى الحق سبحانه وتعالى زينه المرأة الظاهرة وهي وجهها وكفيها وذلك بإجماع جمهور المفسرين)
وهذا تدليس على القُرّاء ، فإن هذا ليس هو قول جمهور المفسِّرين ، فضلا عن أن يكون إجماعا .
قال ابن جرير الطبري في تفسيره : وقوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) يقول تعالى ذِكْرُه : ولا يُظهرن للناس الذين لَيسُوا لهن بِمَحْرَم زينتهنّ ، وهما زينتان :
إحداهما : ما خَفِي ، وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد .
والأخرى : ما ظَهر منها ، وذلك مُخْتَلَف في المعنيّ منه بهذه الآية ، فكان بعضهم يقول : زينة الثياب الظاهرة .
ثم روى ابن جرير بإسناده إلى ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : الزينة زينتان : فالظاهرة منها الثياب ، وما خَفِي : الخَلْخَالان والقرطان والسواران .
وروى بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : والزينة الظاهرة : الوجه ، وكحل العين ، وخِضَاب الكفّ ، والخاتم ؛ فهذه تَظهر في بيتها لمن دَخل مِن الناس عليها .
يعني مِن النساء ومِن محارمها .
وقال البغوي في تفسيره : قوله تعالى : (إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أراد به الزينة الظاهرة . واخْتَلَف أهل العلم في هذه الزينة الظاهرة التي استثناها الله تعالى : قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي : هو الوجه والكفان . وقال ابن مسعود : هي الثياب ، بدليل قوله تعالى : ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، وأراد بها الثياب . اهـ .
وقال ابن كثير : وقال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي: لا يُظهرْنَ شيئا من الزينة للأجانب ، إلاَّ ما لا يمكن إخفاؤه .
وقال ابن مسعود : كالرِّداء والثياب . يعني : على ما كان يتعاطاه نساء العرب ، من المِقْنعة التي تُجَلِّل ثيابها ، وما يَبدو مِن أسافل الثياب فلا حَرج عليها فيه ؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. ونظيره في زِيّ النساء ما يَظهر من إزارها ، وما لا يمكن إخفاؤه . وقال بقول ابن مسعود : الحسن ، وابن سيرين ، وأبو الجوزاء ، وإبراهيم النَّخَعي ، وغيرهم . اهـ .
فهل قال جمهور المفسِّرين بِما قاله صاحب الاستدلال ؟!
وقول ابن عباس رضي الله عنهما محمول على احد أمْرَين :
الأول : تَظهر في بيتها لمن دَخل مِن الناس عليها . كما رواه عنه ابن جرير ، وقد تقدَّم .
والثاني : في أمْن الفتنة .
قال القرطبي في تفسيره : وقد قال ابن خويز منداد مِن علمائنا : إن المرأة إذا كانت جميلة وخِيف مِن وجهها وكَفيها الفتنة فَعليها سَتر ذلك ، وإن كانت عجوزا أو مُقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها . اهـ .
ونقل الشوكاني عن ابن رسلان اتفاق المسلمين على مَنْع النساء أن يَخْرُجْن سَافِرات الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساق .
وقوله : (فالزينة الظاهرة هي الوجه والكفين لان المستثنى لا بد أن يكون من جنس المستثنى منه)
أقول : هذا قول ضعيف ، ولا أعلم أحدا قال به قبله !
فإن في اللغة : الاستثناء الْمُنْقَطِع ، وهو أن يكون المستثنى ليس مِن مَعْنَى الْمُسْتَثْنَى مِنْه . ويُمَثِّل لَه أهْل اللغَة بِقَولِهم : " جَاء القَوم إلاَّ حِمَارًا " ، كما قال ابن عقيل في شرحه على ألفية ابن مالك .
4 – الاستدلال بالآية السابقة على معنى الْخِمار ، وهو لم يأتِ بِفَهْم السلف ، بل بِفهمه هو للخمار !
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : و " الْجِلْبَابُ " هُوَ الْمُلاءَةُ ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ : الرِّدَاءَ ، وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ : الإِزَارَ ، وَهُوَ الإِزَارُ الْكَبِيرُ الَّذِي يُغَطِّي رَأْسَهَا وَسَائِرَ بَدَنِهَا . اهـ .
وقال الشوكاني : الْجِلْبَابُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِتَكْرَارِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللامِ ، قِيلَ : هُوَ الإِزَارُ وَالرِّدَاءُ . وَقِيلَ : الْمِلْحَفَةُ . وَقِيلَ : الْمِقْنَعَةُ ، تُغَطِّي بِهَا الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَظَهْرَهَا . وَقِيلَ : هُوَ الْخِمَار . اهـ .
ويجب على المرأة أن تلبس ما يسترها ستْرًا كاملا عند الخروج ، وهو ما يكون في معنى الجلباب ، وقد سألتْ امْرَأَةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ : قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا . رواه البخاري ومسلم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء ، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه إن الحرة تحتجب ، والأمَة تبرُز ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمَة مختمرة ضربها ، وقال : أتتشبهين بالحرائر ! أيْ لكاع . فَيَظْهَر من الأمَة رأسها ويداها ووجهها …
وكذلك الأمَة إذا كان يُخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب ، ووجب غض البصر عنها ومنها ، وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن ، ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر … فإذا كان في ظهور الأمَة والنظر إليها فتنة وجب المنع من ذلك كما لو كانت في غير ذلك ، وهكذا الرجل مع الرجال ، والمرأة مع النساء : لو كان في المرأة فتنة للنساء ، وفى الرجل فِتنة للرِّجال لَكَانَ الأمر بالغضّ للناظر من بَصَرِهِ متوجِّها كما يتوجَّه إليه الأمر بِحِفْظِ فَرْجِه . انتهى كلامه رحمه الله .
وقول عمر هذا . قال عنه الألباني : هذا ثابت من قول عمر رضي الله عنه .وهذا الفعل من عمر رضي الله عنه من أقوى الأدلة على اختصاص الحرائر بالحجاب - الخمار ، وهو غطاء الوجه - دون الإماء ، وأن من كشفت وجهها فقد تشبّهت بالإماء !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء . اهـ .
قال ابن منظور في لسان العرب : والْمِقْنَعةُ : ما تتَقَنَّعُ به المرأَةُ من ثوب تُغَطِّي رأْسَها ومحاسِنَها . اهـ .
والخمار ما يُلفّ على الرأس ويُغطّى به الوَجه ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها : فشققن مُروطَهن فاخْتَمَرْنَ بها . رواه البخاري .
ومِنه قوله عليه الصلاة والسلام : خَمِّرُوا الآنِيَةَ . رواه البخاري ومسلم . والمقصود به : التغطية .
ومِنه سُمِّيت الْخَمْر خمْرًا ؛ لأنها تُخامِر وتُغطِّي العقل .
قال ابن حجر : قوله : " فاخْتَمَرْن " ، أي : غَطّين وُجُوههن ؛ وصِفة ذلك أن تَضَع الخمار على رأسها وتَرْمِيه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع ، قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قُدّامها، فأمِرْن بالاستتار . اهـ .
ومِن أدلة وُجوب تغطية وجه المرأة إذا كانت بِحضرة رجال أجانب قول الله عَزّ وَجلّ في حقّ القواعد من النساء : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) .
قال ابن مسعود : إنما أُبِيح لهن وَضْع الجلباب الذي فوق الخمار والرداء .
قال ابن كثير : (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) يقول : فليس عليهنّ حرج ولا إثم أن يَضعن ثيابهنّ ، يعني جلابيبهنّ ، وهي القِناع الذي يكون فَوق الخمار ، والرداء الذي يكون فوق الثياب ، لا حرج عليهن أن يَضعن ذلك عند المحارِم مِن الرجال ، وغير المحارم مِن الغرباء ، غير متبرجات بزينة . اهـ .
فإذا كان هذا في حقّ النساء الكبيرات ، فكيف بِحقّ غيرهن من الشابات ؟!
ولا شك أن ما أُذِن للكبيرات في وضْعِه لا يُؤذَن للشابات في وضعه .
5 – الاستدلال بِحديث : " إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا " لا يُسلَّم له به لأمرين :
الأول : ضَعْف الحديث ؛ فقد ضَعّفه غير واحد .
قال ابن كثير : قال أبو داود وأبو حاتم الرازي : هذا مُرْسَل ؛ خالد بن دُرَيك لم يسمع من عائشة . اهـ . والْمُرْسَل مِن أقسام الحديث الضعيف عند جمهور الْمُحدِّثين .
وقال ابن التركماني : في سَنَده الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير ، والوليد مدلس ، وابن بشير ، قال يحيى : ليس بشيء ، زاد ابن نمير : منكر الحديث وضعفه النسائي ، وقال ابن حبان فاحش الخطاء ، ورواه ابن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة . اهـ .
بل ضعّفه الشيخ مصطفى العدوي في رسالة " الحجاب " مِن سبعة أوْجُه .
الثاني : احتِمال أن يكون في أول الأمر ، وقبل نُزول الحجاب .
6 ، 7 – في غض البصر ، وسبق الجواب عنها ، إلاّ أن قوله : (ومعلوم أن غض البصر يكون عند مطالعه الوجه بداهة)أقول : ليس هذا مِن المعلوم بِداهة ! لأن المؤمن يُؤمَر بِغضّ بصَره عن الجواري وعن نساء الكفار وعمّن لم تلتزِم بالحجاب الشرعي ، كما يُؤمَر بِغضّ بصَرِه عن الأجسام الفاتنة . وقد تقدّم القول في الرد الأول ، ونَقْل قول البخاري وما ساقه مِن أقوال السلف في هذا الباب .
8 – الاستدلال بِحديث جابر ، وفيه : إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر إلى بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل .
واستدلاله ضعيف مِن وجهين :
الوجه الأول : معلوم أن ما يدعو الرجل إلى نكاح المرأة ليس هو النظر إلى الوَجْه فَحَسْب ، ولذا قال جابر رضي الله عنه : فخطبت امرأة من بني سليم فكنت أتخبأ لها في أصول النخل ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها . رواه أبو داود والحاكم وقال : هذا حديث صحيح .
وروى ابن ماجه عن محمد بن سلمة قال : خطبت امرأة فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليها في نخل لها ، فقيل له : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا ألقى الله في قَلب امرئ خِطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها .
والوجه الثاني : أن نساء الصحابة لو كُنّ سافرات عن وُجوههن في كل طريق ، وفي كل ذهاب ومجيء ، لم يكن أحد منهم بِحاجة إلى أن ينظر إلى مَن خَطبها ، ولا أن يتخبأ لها لينظر إليها !
وهذا الحديث مما استدلّ به الذين قالوا بِوجوب تغطية وجه المرأة ، إذا كانت بحضرة رِجال أجانب ، فمن عَجَب أن يُسْتَدَلّ به على جواز كشْف الوجه !
9 – الاستدلال بحديث " لا تتبع النظرة النظرة " استدلال ضعيف ، وقد تقدّم في الرد الأول تضعيف استدلاله بالأمر بِغضّ البصر ، على أن غضّ البصر يكون عن الوجوه .
وأزيد هنا :
أن الإنسان قد ينظر إلى امرأة لم تعلَم بِوجوده بِقربها أصلا ، فَنُهِي عن إتباع النظرة النظرة .
كما أن المؤمن يُنهَى عن النظر إلى الأمرد .
قال ابن كثير : قال كثير من السلف : إنهم كانوا يَنْهَون أن يُحِدَّ الرجل بَصَره إلى الأمْرَد . وقد شَدَّد كثير مِن أئمة الصوفية في ذلك ، وحَرَّمه طائفة مِن أهل العِلم ، لِمَا فيه من الافتتان ، وشَدّد آخرون في ذلك كثيرًا جدًا . اهـ .
10 – الاستدلال بحديث " إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله "
وقوله : (قال الامام الجصاص فى تفسيره احكام القرآن : ( ولا يعجبه حسنهن الا بعد رؤيه وجوههن ))
وهذا تلبيس على القراء ، فإن الجصاص إنما قال : (قَوْلُهُ : (لا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ) وَلا يُعْجِبُهُ حُسْنُهُنَّ إلاَّ بَعْدَ رُؤْيَةِ وُجُوهِهِنَّ) .
ولا يصح الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله " على كون النساء سافرات الوجوه ، لسببين :
الأول : أن في الحديث نفسه : إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ . رواه مسلم .
ومعلوم أن الإدبار ليس فيه نَظَر للوجوه إطلاقا ! فلو رأى الإنسان امرأة مُدبِرة ، ووقع في نفسه شيء ، فهو مأمور بأن يأتِ أهله .
الثاني – وهو تابِع للأول – أنه تقدّم أن الإنسان قد يُفتَن بالنظر إلى بدن المرأة .
ولذا قال زيد بن حارثة رضي الله عنه عن زينب رضي الله عنها : فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي . رواه مسلم .
ومِن هذا أمْر نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام للمرأة التي جاءته تمشي على استحياء .
روى ابن جرير في تفسيره عن ابن إسحاق أنه قال : فقال لها [ يعني موسى ]: امشي خَلْفي ، وانْعَتِي لي الطريق ، وأنا أمشي أمامك ، فإنا لا ننظر إلى أدبار النساء !
11 – الاستدلال بقصة المرأة الخثعمية التي وُصِفَت بأنها وضيئة .
لا يصحّ الاستدلال به لِعدة وجوه :
الأول : أن الوضاءة ليست مُختصة بالوجه .
والوضاءة تكون في الجسم ، وقد عَرَف عُمر رضي الله عنه سودة رضي الله عنها في الظلام !
ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي عِشَاءً ، وَكَانَتْ امْرَأَةً طَوِيلَةً ، فَنَادَاهَا عُمَرُ : أَلا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابُ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحِجَابَ .
الثاني : أنه جاء في رواية أن أباها كان يَعْرِضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لذا صَرَف النبي صلى الله عليه وسلم وَجْه الفضل عنها .
رواه أبو يعلى عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه ابنة له حسناء ، فجعل يَعْرِضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها . قال : فجعلت ألْتَفِتْ إليها وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه .
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .
ولا يُعارضه قولها : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرًا لا يثبت على الراحلة . فإن الأب يُطلق على الْجَدّ أيضا .
الثالث : احتمال كشْف الوجه في الإحرام .
وأما قوله : ( ولا حجه فى الحديث ان المرأه كانت محرمه فى الحج لان الواقعه كانت بعد النحر اى بعد التحلل من الاحرام )فهو غير صحيح ، ففي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما في صِفة حجّة النبي صلى الله عليه وسلم : ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا ، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ .. الحديث . رواه مسلم .
فهذا صريح في أن إرداف النبي صلى الله عليه وسلم للفضل كان مِن مُزدلفة وقبل رَمي الجمرة وقبل التحلل .
الرابع : أن صَرْف النبي صلى الله عليه وسلم لِبصَر الفضل إنما كان عن عموم النظر ، ففي الحديث السابق : " فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ " ، ومعلوم أن جَرْي الإبل مَدْعَاة لانكشاف النساء .
قال القاضي عياض : فيه سُنّة غضّ البصر خوف الفتنة ، وأن ذلك في حق النساء والرجال جميعا بعضهم لبعض ، ألا تراه كيف قال في الفضل : " وكان أبيض وَسِيمًا حَسَن الشَّعْر يخاف فتنة الظعن به ، وفتنته بهن " ؟ . اهـ .
12 – الاستدلال بقصة الرجل الذي نَظَر إلى امرأة .. وقوله : (فدل هذا الحديث على ان النساء كن سافرات الوجوه وكان منهن من تلفت بحسنها انظار الرجال)
أقول هذا قول ضعيف مِن عدّة وُجوه :
الوجه الأول : احتمال أن يكون ذلك قبل الحجاب .
الوجه الثاني : أنه – إن صحّ الحديث – فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعْتبَر نَظَر الرجل إلى المرأة ذَنْبًا عُجِّلَتْ له عقوبته . فلو كان كشف وجْه المرأة جائزا والنظر إليه جائزا ، لَمَا كان الناظر مُستحِقّا للعقوبة !
الوجه الثالث : أنه قد يكون نَظَر إلى امرأة لا تَعْلَم بِوُجُودِه ، وقد روى الطبراني في الأوسط عن أبي تميمة الهجيمي قال : بينا أنا في حائط من حيطان المدينة إذ بَصُرت بامرأة ، فلم يكن لي هم غيرها حتى حاذتني ، ثم أتبعتها بصري حتى حاذيت الحائط ، فالتفت فأصاب وجهي الحائط فأدماني .
فإذا كان ذلك كذلك ، فإنه يُرجِّح أن الرجل في الحائط والمرأة خارجه ، ويُحتَمل أنها لم تكن تعلم بِه .
والاحتمال الثاني أنها امرأة ليست مِن نساء المسلمين ، وهذا الاحتمال وارِد ، إذ كان اليهود يُخالِطون المسلمين في المدينة ، وكانت نساء اليهود يَدْخُلْن على عائشة رضي الله عنها ، كما ثبت ذلك في غير حديث .
وفي نساء اليهود جَمَال لا يُنْكَر ، ومِن ذلك ما ذُكِر لِرَسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فَتْح خيبر مِن جَمَال صفية رضي الله عنها ، حتى اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لِنفسه .
الوجه الرابع : أن المسألة لم تكن لِمُجرّد النظر .
فقد جاء في رواية لإمام أحمد والحاكم عن عبد الله بن مغفل : أن رَجُلا لَقِي امرأة كانت بَغِيًّا في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها ، فقالت المرأة : مه ، فإن الله عز وجل قد ذَهب بالشرك - وقال عفان مرة : ذَهب بالجاهلية - وجاءنا بالإسلام ، فَوَلّى الرجل ، فأصاب وجهه الحائط فَشَجّه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أنت عَبْد أرَاد الله بك خَيرا . إذا أراد الله عز وجل بِعَبْدٍ خَيرا عَجّل له عقوبة ذَنْبه ، وإذا أراد بِعَبْدٍ شَرًّا أمْسك عليه بذنبه حتى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة كَأَنَّهُ عَيْر . قال الحافظ العراقي : رواه أحمد والطبراني بإسناد صحيح من رواية الحسن عن عبد الله بن مُغَفّل مَرفوعا ومُتَّصِلاً . اهـ . وقال شعيب الأرنؤوط عن إسناد أحمد : صحيح لغيره ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة ، فمن رِجال مسلم . اهـ .
الوجه الخامس : أن الرجل عدّ فِعله ذلك ذَنْبًا . ففي رواية الطبراني في الأوسط عن أبي تميمة الهجيمي : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : هَلَكْت .
فهو يعتبره هلاكًا ، إذ لو كان يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها ، ويجوز للرجل أن ينظر إليه ، لَمَا كان ذلك يُعدّ عقوبة !
13 – الاستدلال بِما رواه ابن جرير وأوْرَده السيوطى فى الدر المنثور ، وفيه : " إذا عَرَكَت المرأة لم يَحِلّ لها أن تُظْهر إلاّ وجهها وإلاَّ ما دون هذا ... " .
وهذا ضعيف ، فإن ابن جرير أوْرَده بلا إسناد ، قال ابن جرير : قالت عائشة: دَخَلَتْ عليّ ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مُزَيَّنةً ، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأعرض .. الحديث .
فلا حُجّة فيه .
وعلى من يستدلّ أن يُثبِت الدليل قبل استدلاله .
14 ، 15 – الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام : لا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ ، وَلا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ . رواه البخاري .
وبِقول عائشة رضي الله عنها : لا تَلَثَّمْ وَلا تَتَبَرْقَعْ وَلا تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلا زَعْفَرَانٍ . علّقه البخاري .
وهذا ليس فيه دليل على كَشْف الوجه مِن وُجوه :
الأول : أن النهي عن البرقع والنقاب ليس نهيًا عن تغطية الوجه ، ففي رواية البيهقي لقول عائشة رضي الله عنها : ولا تتبرقع ولا تَلَثّم وتُسْدِل الثوب على وجهها إن شاءت .
قال ابن حجر : وقال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : تُسْدِل المرأة جلبابها مِن فوق رأسها على وجهها .
الثاني : أن النهي عن تَغْطِية الوجه إنما هو بِما يُفَصَّل على قَدْره ، ولذلك قُرِن النهي عن النقاب بالنهي عن القفاز .
قال ابن القيم : وَجْه المرأة كَبَدَن الرجل ، يَحْرُم سَتره بالْمُفَصَّل على قَدْره ، كَالنقاب والبرقع ، بل ويَدَها يَحْرُم سَترها بِالْمُفَصّل على قَدْر اليد ، كَالقُفّاز ، وأما سَترها بِالْكُمّ وسَتْر الوَجه بالملاءة والخمار والثوب فلم يُـنْهَ عنه ألبته . اهـ .
الثالث : أنه لم يَقُل أحد إن المرأة الْمُحْرِمَة لا تلبس الثياب لأنها نُهِيت عن لبس ما فيه وَرْس أو زَعْفَرَان .
قال ابن القيم :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَشْرع لها كَشْف الوَجه في الإحرام ولا غيره ، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصّة ، كما جاء بالنهي عن القفازين ، وجاء النهي عن لبس القميص والسراويل ، ومعلوم أن نَهْيَه عن لُبس هذه الأشياء لم يُرِد أنها تكون مكشوفة لا تُسْتَر البتة ، بل قد أجمع الناس على أن الْمُحْرِمة تَسْتُر بَدَنها بقميصها ودِرعها ، وأن الرَّجل يَستر بَدنه بالرداء وأسَافِله بالإزار ، مع أن مَخْرَج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحِد . وكيف يُزاد على موجب النص ويُفْهَم منه أنه شَرَع لها كَشْف وجهها بين الملأ جِهارا ؟ فأي نص اقتضى هذا ، أو مفهوم ، أو عموم ، أو قياس ، أو مصلحة ؟ . اهـ .
الرابع : أن نساء السلف فَهِمْن أن النهي إنما هو عن لبس النقاب والبرقع ، ولم يَفْهَمْن أنه لا يجوز لهنّ تغطية وُجوههن حال الإحرام .
قالت عائشة رضي الله عنها : كان الركبان يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سَدلتْ إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه .
وهذا عام في أمهات المؤمنين وغيرهن .
ومن ادّعى خصوصية أمهات المؤمنين بهذا الأمر فقد غلِط ، وذلك لأن عائشة رضي الله عنها أفْتَتْ نساء المؤمنين بذلك .
فقد روى إسماعيل بن أبي خالد عن أمه قالت : كنا ندخل على أم المؤمنين يوم التروية فقلت لها : يا أم المؤمنين هنا امرأة تَأبى أن تُغَطِّي وَجهها . فَرَفَعَتْ عائشة خمارها مِن صدرها فَغَطَّت به وجهها . رواه ابن أبي خيثمة .
وكان عليه العمل عند غير أمهات المؤمنين . كَما رَوت ذلك فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جَدّتها . روى الإمام مالك عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت : كنا نُخَمِّر وجوهنا ونحن مُحْرِمات ، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .
16 - حديث عائشة رضي الله عنها قالت : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي الفجر ، فيشهدُ معه نساءٌ من المؤمنات متلفعاتٌ بِمُرُوطِهنّ ، ثم يرجعن إلى بيوتهن ، ما يَعرفُهُنّ أحدٌ من الغَلَسِ . رواه البخاري ومسلم .
وليس في الحديث ما يدلّ على جواز كَشْف الوَجه ، إذ يُرد الْمُتَشَابِه إلى الْمُحْكَم .
وقد تظافرت أدلة الوحيين على وُجُوب تغطية المرأة لِوَجْهها .
وأما الأحاديث التي قد يُفهم منها كَشْف الوجه كهذا الحديث فليست صريحة في الدلالة .
وغاية ما في هذا الحديث نَفْي الْمَعْرِفة ، وهو مُحْتَمِل لِوُجُوه :
الأول : إما نفي معرفة أعيانهن من قِبل النساء أنفسهن .
الثاني : أن ذلك قبل نزول الحجاب ، كما قاله الباجي ، فيما نقله عنه ابن الملقّن .
الثالث : إن مِن عادة النساء في ذلك الزَّمَن أنهن يَنْصَرِفْن قبل الرِّجَال .
قالت أم سلمة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّم قام النساء حين يقضي تَسليمه ، ويمكث هو في مقامه يَسيرًا قبل أن يقوم . قالت : نرى - والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يُدْرِكهن أحَدٌ مِن الرجال . رواه البخاري .
بمعنى أنهن لو كشفن وجوههن مع الغَلَس وانصرافهن قبل الرجال لم يكن فيه مِن حَرج ، كما أنه ليس فيه مستمسك للقول بجواز كشف المرأة لوجهها بحضرة الرجال الأجانب ؛ لأنهن يَنْصَرِفن قبل الرجال .
17 – الاستدلال بقصة المرأة التي جاءت تعرِض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله : (ولو لم تكن سافرة الوجه فما معنى نظره صلى الله عليه و آله اليها؟)
والجواب :
أنها جاءت تَعْرِض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أن العَرْض بِخلاف غيره مِن الأحوال المعتادة .
ومِن جِهة أخرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلة الْمَحْرَم للنساء ، فيجوز له ما لا يجوز لِغيره مِن النظر ، واستدلّ العلماء لذلك بأدلة ، منها :
قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
وفي قراءة تفسيرية : وهو أبٌ لهم .
قال الشنقيطي : وفي قراءة أُبَيّ بن كعب : (وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم) ورُوي نحوها عن ابن عباس ، وبهذا القول قال كثير مِن العلماء . اهـ .
ما رواه البخاري من طريق خَالِد بن ذَكْوَان عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي .
قال ابن حجر : وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَاز الْخَلْوَة بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا ، وَهُوَ الْجَوَاب الصَّحِيح عَنْ قِصَّة أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَانَ فِي دُخُوله عَلَيْهَا وَنَوْمه عِنْدهَا وَتَفْلِيَتهَا رَأْسه ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا مَحْرَمِيّة وَلا زَوْجِيَّة . اهـ .
وما رواه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَال : عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللاتِي كُنَّ عِنْدِي ، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ . قَالَ عُمَرُ : فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ ، ثُمَّ قَال : أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ ! أَتَهَبْنَنِي وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْنَ : نَعَمْ ! أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وغيرها من الأدلة .
18 – الاستدلال بـ (سفعاء الخدين) وهو استدلال ضعيف لوجهين :
الأول : أن يكون ذلك قبْل الحجاب . والأمر بالحجاب متأخّر عن الأمر بِصلاة العيد .
قال ابن الْمُلَقِّن رحمه الله : أول عيد صَلاّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الفِطر مِن السَّنة الثانية مِن الهجرة . اهـ .
الثاني : أن تكون امرأة كبيرة .
قال القرطبي في " الْمُفْهِم " : لكن حُذّاق شُيوخنا زَعَموا : أن هذا الحرف مُغَيَّر في كتاب مسلم ، وأن صَوابه : " من سفلة النساء " ، ويؤيِّده : قول مَن رَواه : " ليست من عِلْيَةِ النساء " ، ويعضده أيضًا قوله بعد : " سفعاء الْخَدَّين" ، والسُّفعة : شُحوب بسواد . اهـ .
19 – الاستدلال بقصة سبيعه الأسلمية رضي الله عنها ، وقوله : (فدل هذا الحديث على ان سبيعه ظهرت متجملة امام ابى السنابل)
وهذا مُحْتَمَل لأمرين :
الأول : أن التجمّل أعمّ مِن أن يكون في الوَجْه ؛ لأن المرأة الْمُحِدّ على زوجها مأمورة باجتناب زينة اللباس وزينة الوَجه والطيب .
الثاني : أن أبا السنابل كان مِن ضِمّن الْخُطّاب . ويدلّ عليه ما في رواية النسائي في الكبرى : فَخَطَبها أبو السنابل بن بَعْكَك فأبَت أن تنكحه ، فقال : ما يصلح لك أن تنكحي حتى تَعْتَدّي آخِر الأجلين !
20 – الاستدلال بِقَول أم خلاّد : (ان أرزأ ابنى فلن أرزأ حيائى)
لا يصح لوجهين :
الأول : أن الحديث ضعيف . فقد رواه أبو داود ، وفي إسناده ضعيفان :
عَبْد الخبير بن ثابت بن قَيْس . قال ابن حجر في التقريب : مجهول الحال .
و فَرَج بن فضالة . قال ابن حجر في التقريب : ضعيف .
والثاني : لو صحّ لَكان حُجّة عليهم ؛ لأنها مُنتقبة مع عِظَم المصيبة !
21 – قوله : (قال بن عباس ( فرأيتهن يهوين بأيدهن يقذفنه فى ثوب بلال )
ودلاله هذا الحديث ان ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه و آله يرى ايديهن فصح بذلك ان اليد من المرأه و الوجه ليستا بعورة)
وهذا ضعيف أيضا لوجوه :
الأول : احتمال كونه قبل الحجاب ، وتقدّم أن أول صلاة عيد صلاّها رسول الله كانت في السنة الثانية مِن الهجرة .
الثاني : أنه ليس فيه التصريح بأن أيديهن كانت مكشوفة ، فليس فيها وَصْف خِضَاب أو خواتم ونحو ذلك .
الثالث : التعسّف في إقحام ذِكْر الوجه ! حيث قال في قول ابن عباس : (فرأيتهن يهوين بأيدهن) : (فصح بذلك ان اليد من المرأه و الوجه ليستا بعورة) فمن أين له ذِكْر الوجه ؟!
الرابع : أن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرا ، فإنه كان قد ناهز الاحتلام عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : أنه كان آنذاك دون البلوغ ، هذا لو كان رأى شيئا !
الخامس : أنه يصحّ أن تقول : مدّت المرأة يدها ، وأنت لا تُريد بذلك أنها مدّت يدًا مكشوفة .
بل لو كانت مدّت يدها وهي تلبس القفازين ، فإنك تقول : مدّت يدها .
22 ، 23 – تقدّم القول في النظر إلى المخطوبة ، وأنه أعمّ مِن أن يكون في النظر إلى الوجه .
وتَعَسّف بقوله : (والحديث فيه دلاله على كون المرأة غير منتقبه)
فمن أين له ذلك القول ؟ ومَن قال به قَبْلَه ؟!
24 – قوله : (ما ورد ان كرائم الصحابيات يكشفن وجوههن)
وأضعف ما رأيت قوله : (ودلاله الحديث فى انه لولا ان عامة النساء كن سافرات الوجوه ويتعرف عليهن الرجال تبعا لذلك لما سأل رسول الله صلى الله عليه و آله من هما ولما تعرف عليها بلال وقال امرأة عبد الله)
فهل معرفة اسم المرأة يلزم مِنه كشْف وجهها ؟!
فإن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الاسم : أي الزيانب ؟!
وهُنّ مَن أخبرنه منهن ، ففي رواية لمسلم ، قالت زينب : فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلالٌ، فَقُلْنَا لَهُ : ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلانِكَ : أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا ؟ وَلا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ .
25 – استدلاله بـ (فزار سلمان ابا الدرداء فرأى ام الدرداء متبذله)
ثم قال مِن عنده : (فكانت معرفه سلمان انها متبذله دليل على رؤيته لوجهها)
أوّل مرّة أعرف أن التبذّل يكون في الوَجْه !!
قال القاضي عياض : قوله : " مُتَبَذِّلَـة " ، أي : لابِسَة بِذْلة ثيابها ، وهو ما يُمْتَهَن منها في الخدمة والشغل غير متزينة . اهـ .
وقال ابن الأثير : التَّبَذُّلُ : ترك التزيُّن والتَّهيُّئ بالهيئة الحسَنة الجميلة على جِهة التواضع . اهـ .
وقال ابن حجر : قوله : " مُتَبَذِّلَـة " ، أي : لابِسَة ثِياب البِذْلة ، وهي الْمِهْنَة وَزْنًا ومَعْنًى ، والمراد أنها تَارِكة لِلِبْس ثِياب الزِّينة . اهـ .
ولو كان سلمان رضي الله عنه رأى وجه أم الدرداء رضي الله عنها لَمَا كان فيه استدلال ، لوجهين :
الأول : أن يُحمَل ذلك على ما قبل الحجاب .
الثاني : ما كان بينهما مِن أخوّة الإسلام ، التي كانت في أوّل الأمْر بين المهاجرين والأنصار .
إلى هنا أقِف ، وما ساقَه مِن أقوال الصحابة رضي الله عنهم لا يُسلّم له به ؛ لأن الصحابة قد اخْتَلفوا ، وإن كان الكاتب غير أمين في النقل ؛ لأنه يُوهِم القُرّاء أن ذلك القول الذي قاله هو قول جمهور المفسِّرين ! أو يُلبّس على القراء بِفَهْمه هو دون فَهْم السلف ، أو يأتي بِما لم يأتِ به الأوائل !
أو يستدلّ بِما لا يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مع تهويله في العنوان ( خمسون دليلا .. ) مع أنه لا يُسلَّم له بِدليل واحد !
بل قد دلّت الأدلة على وُجوب تغطية المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب .
وسبق بيان بعض أدلة وُجوب تغطية وجه المرأة أمام الرجال الأجانب هنا :
الحجاب عادة !
http://almeshkat.net/index.php?pg=art&cat=&ref=86
وأما قوله في نهاية مقاله : (وقد تشدد المسلمون فى العصور الماضيه تحت عنوان سد الذريعه إلى الفتنه فمنعوا المرأة من الذهاب إلى المسجد .. )
فهذا ليس تشددا .
قالت عائشة رضي الله عنها : لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنعت نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : قلت لِعَمْرَة : أو مُنِعْن ؟ قالت : نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لِمَا أحدثن وتوسعن في الأمر من الزينة والطيبِ وحسنِ الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .
قال ابن المبارك : أكْرَه اليوم الخروج للنساء في العيدين ، فإن أبَت المرأة إلاّ أن تَخْرُج فليأذن لها زوجها أن تَخْرُج في أطهارها ولا تَتزين ، فإن أبَتْ أن تَخْرج كذلك فللزوج أن يمنعها من ذلك .
تنبيه :
نقل فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مَنْع النقاب ، والشيخ رحمه الله إنما مَنَع ذلك لتوسّع النساء فيه ، وليس لأنه لا يجوز ، بل الشيخ رحمه الله يرى وُجوب تَغطية المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب .
وهذه فتوى من فتاوى الشيخ رحمه الله :
http://binothaimeen.net/content/10126
والله تعالى أعلم .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
التعديل الأخير تم بواسطة مشكاة الفتاوى ; 10-17-19 الساعة 2:52 AM
رحم الله ابن حزم ، قال ، فَصَدَق ..
قال ابن حزم رحمه الله في " الفصل في الملل والأهواء والنحل " :
اعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يُجرِ الله على أيديهم خيرا ! ولا فَتح بهم مِن بلاد الكفر قرية ، ولا رُفع للإسلام راية ، وما زالوا يَسعون في قلب نظام المسلمين ويُفرِّقون كلمة المؤمنين ، ويَسلّون السيف على أهل الدِّين ، ويَسعون في الأرض مفسدين .
أما الخوارج والشيعة فأمْرُهم في هذا أشهر مِن أن يُتَكَلَّف ذِكْره .
وما تَوَصَّلَت الباطنية إلى كيد الإسلام وإخراج الضعفاء منه إلى الكفر إلاّ على ألْسِنة الشيعة . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الرافضة : فهل يوجد أضل من قوم يعادون السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويُوالُون الكفار والمنافقين ؟!
وقال رحمه الله : الرافضة ليس لهم سعي إلاّ في هدم الإسلام ، ونقض عُراه ، وإفساد قواعده .
وقال أيضا : ومَن نَظر في كتب الحديث والتفسير والفقه والسير عَلِم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأن أصل كل فِتنة وبَلِية هم الشيعة ومَن انضوى إليهم ، وكثير مِن السيوف التي سُلّت في الإسلام إنما كانت مِن جهتهم ، وعَلِم أن أصلهم ومادّتهم منافقون ، اختلقوا أكاذيب ، وابتدعوا آراء فاسدة ، ليفسدوا بها دين الإسلام .
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)