المَقَالَةُ التَّاسِعَةُ فِي المَدْخَلِومِنَ الوَاجِبِ هُنَا أن نَتَكَلَّمَ عَلَى مُهِمَّاتٍ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيْثِ فِي عِلْمَيْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث :
*****
فَفِيْ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْل :
أوَّلاً : مَاهِيَ أقْسَامُ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؟
ثَانِيْاً : مَاهِيَ مُوَاصَفَاتُ الإمَامَةِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؟
وفِي عِلْمِ عِلَلِ الحَدِيْث :
أوَّلاً : مَاهِيَ أقْسَامُ عِلْمِ عِلَلِ الحَدِيْثِ ؟
ثَانِيْاً : مَاهِيَ مُوَاصَفَاتُ الإمَامَةِ فِي عِلَلِ الحَدِيْثِ ؟
فَأمَّا عِلْمُ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ :
أوَّلاً : مَاهِيَ أقْسَامُ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؟
بِمَا ظَهَرَ لِي مِنْ دِرَاسَةِ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ فَإنَّهُ عَلَى أرْبَعَةِ اَقْسَامٍ :
وقَبْلَ ذِكْرِ الأقْسَامِ الأرْبَعَةِ أُنَبِّهُ إلى أنَّ الأَئِمَّةَ أَجْمَعُوْا عَلَى إمَامَةِ هَؤلاءِ الثَّلاثَةِ – يَحْيَى وعَلِيٍّ وأحْمَدَ - فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ – مَعْ تَقَدُّمِ بَعْضِهِم عَلَى بَعْضٍ فِيْهَا كَمَا سَيَأتِي - ، وأنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَفْقَهُهُم فِيْه – والكَلامُ عَلَى فِقْهِ الحَدِيْثِ وإمَامَةِ أَحْمَدَ فِيْه ، وأَنَّه أَعْرَفُهُم بأُصُوْلِهِ وفُرُوْعِهِ ، ومَسَائِلِهِ ودَقَائِقِهِ ، سَيَتِمُّ بَعْدَ الانْتِهَاءِ مِنْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْثِ - .
أقْسَامُ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ :
القِسْمُ الأوَّلُ : أُصُوْلُ عِلْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وقَوَاعِدُهُ ؛ فَنَّاً ، وتَأصِيْلاً ، ومَعْرِفَةً :
وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ، وبَعَدُه أحَمَدُ ، ثُمَّ عَلِيٌّ ، ولَمْ يُصَنِّفْ مِنْهُم إلاَّ عليٌّ ، وأمَّا الآخَرَانِ – وَكَذَا عَلِيٌّ - فَرَوَى عَنْهُمْ أصْحَابُهُمْ والرُّوَاةُ عَنْهُمْ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : كانَ ابنُ مَعِيْنٍ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَالِ .
وقال الإسماعيليُّ : سُئِلَ الفرهيانيُّ : عَنْ يَحْيَى وأحمدَ وعليٍّ وأَبِي خَيْثَمَةَ ؟ قال : أَمَّا عليٌّ فَأَعْلَمُهُمْ بالعِلَلِ ، وأَمَّا يَحْيَى فَأَعْلَمُهُم بالرِّجَالِ ، وأَحْمَدُ بِالفِقْهِ ، وأَبُو خَيْثَمَةَ مِنَ النُّبَلاءِ .
وقال صالحُ بنُ محمدٍ : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِعِلََلِ الحديثِ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وبِفِقْهِهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ ،وأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : يَحْيَى أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ والكُنَى .
وقال ابنُ أَبِي حَاتِمٍ : سمعتُ عبَّاساً الدُّوْرِيَّ يقولُ : رأيتُ أحمدَ يَسْألُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ - عندَ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ - : مَنْ فُلانٌ ؟ مَا اسْمُ فُلانٍ ؟ .
القِسْمُ الثَّانِي : عُلُوْمُ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ والمَنْهَجِيَّةُ فِيْه ؛ مِنَ التَّوَسُّطِ والاعْتِدَالِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، والرِّوَايَةِ عَنْ أَهْلِ البِدَعِ ، و التَّغَيُّرِ والاخْتِلاطِ ، ومُتَعَلِّقَاتِ ذَلِكَ :
وَهَذَا القِسْمُ أَعْلَمُهُم بِه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ.
وقال عبدُ الخالقِ بنُ منصورٍ : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ بعضَ أَصْحَابِ الحديثِ يُحَدِّثُ بأَحَادِيْثِ يَحْيَى ، ويقولُ : حَدَّثَنِيّ مَنْ لَمْ تطلعِ الشَّمسُ عَلَى أَكْبَرَ مِنْه ؟ فقال : ومَا تعجبُ ، سمعتُ ابنَ المَدِيْنِيِّ يقولُ : مَا رأيتُ فِي النَّاسِ مِثْلَهُ .
وقال - أيضاً - : قلتُ لابنِ الرُّوْمِيِّ: سمعتُ أبا سعيدٍ الحَدَّادَ يقولُ : النَّاسُ كُلُّهُم عِيَالٌ عَلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ ، فقال : صَدَقَ مَا فِي الدُّنْيِا مِثْلُهُ ، سَبَقَ النَّاسَ إلى هَذَا البابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، وأَمَّا مَنْ يجيء بعدُ فَلَا نَدْرِي كَيْفَ يَكُوْنُ .
القِسْمُ الثَّالِثُ : مَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ جَرْحاً وتَعْدِيْلاً ؛ الثِّقَاتِ مِنْهُم والضُّعَفَاءِ ، والحُفَّاظِ مِنْهُم والغَافِلِيْن ، وأَحْوَالِهِم ، وبُلْدَانِهِم ، وأَخْبَارِهِم ، وتَوَارِيْخِهِم :
وَهَذَا القِسْمُ هُوَ زُبْدَةُ عُلُوْمِ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ، وأَعْلَمُهُم بِه يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ ثُمَّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ عَلِيُّ ابنُ المَدِيْنِيِّ .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ : كانَ ابنُ مَعِيْنٍ أَعْلَمَنَا بِالرِّجَال .
وقال أحمدُ : هَاهُنَا رجلٌ خَلَقَه اللهُ تَعَالى لِهَذَا الشَّأنِ يُظْهِرُ كَذِبَ الكّذَّابِيْنَ - يَعْنِيْ ابنَ مَعِيْنٍ - .
وقال الآجريُّ : قلتُ لأَبِي دَاودَ : أَيُّمَا أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ عَلِيٌّ أَوْ يَحْيَى ؟ قال : يَحْيَى عَالِمٌ بِالرِّجَال ، وليسَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِنْ خَبَرِ أَهْلِ الشَّامِ شَيءٌ .
وقال صالحُ بنُ محمدٍ : أَعْلَمُ مَنْ أَدْرَكْتُ بِعِلََلِ الحديثِ ابنُ المَدِيْنِيِّ ، وبِفِقْهِهِ أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ ، وأَحْفَظُهُمْ عِنْدَ المُذَاكَرَةِ أَبُو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ ،وأَعْلَمُهُمْ بِتَصْحِيْفِ المَشَايِخِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ .
وفِي رِوَايَةٍ عَنْه : يَحْيَى أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ والكُنَى .
القِسْمُ الرَّابِع : مَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الرُّوَاة فِي البُلْدَانِ جَرْحاً وتَعْدِيْلاً ؛ الثِّقَاتِ مِنْهُم والضُّعَفَاءِ ، وأَخْبَارِهِم وتَوَارِيْخِهِم :
وَهَذَا القِسْمُ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَنْ هُوَ إمَامٌ يُرْجَعُ إلَيْه فِيْهِ .
ومِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ :
فَفِي الكُوْفَةِ ابْنُ نُمَيْرٍ – مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ الكُوْفِيُّ ، المُتَوَفَّى سَنَةَ 234 هـ - :
وقال عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ويَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ يَقُوْلانِ فِي شُيُوْخِ الكُوْفِيِّيْنَ مَا يَقُوْلُ ابنُ نُمَيْرٍ .
وفِي الشَّامِ أَبُو مُسْهِرٍ - عبدُ الأعلى بنُ مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ ، المُتَوَفَّى سَنَةَ 218 هـ - :
وقالَ المَيْمُوْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ : كَيِّسٌ ، عَالِمٌ بِالشَّامِيِّيْنَ .
وقالَ فَيَّاضُ بنُ زُهَيْرٍ عَنِ ابنِ مَعِيْنٍ : مَنْ ثَبَّتَهُ أَبُوْ مُسْهِرٍ مِنَ الشَّامِيِّيْنَ فَهُوَ ثَبْتٌ .
وقالَ ابنُ حِبَّانً : كَانَ إمَامَ أَهْلِ الشَّامِ فِي الحِفْظِ والإتْقَانِ ِمِمَّنْ عُنِيَ بِأَنْسَابِ أَهْلِ بَلَدِهِ وأَبْنَائِهِم ، وإلَيْهِ كَانَ يَرْجِعُ أَهْلُ الشَّامِ فِي الجَرْحِ والعَدَالَةِ لِشُيُوْخِهِم .
وهَكَذَا فِي كُلِّ بَلَدٍ مَنْ يُرْجَعُ إلَيْه فِي أَهْلِهَا والرُّوَاةِ فِيْهَا .
ثَانِيْاً : مَاهِيَ مُوَاصَفَاتُ الإمَامَةِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ ؟
بِمَا ظَهَرَ لِي فَإنَّ مُوَاصَفَاتِ الإمَامَةِ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ تَنْحَصِرُ فِي خَمْسَةِ أُمُوْرٍ ، وهِيَ :
الأوَّلُ : أَخْذُ هَذَا العِلْمِ مِنْ أَئِمَّتِهِ وشُيُوْخِهِ العَارِفِيْنَ بِه ، وبَذْلُ الجُهْدِ فِي تَحْصِيْلِ مايُمْكِنُه لتَكْوِيْنِ المَعْرِفَةِ التَّامَةِ بِه مَعَ الجَمْعِ لَهُ و الحِفْظِ لِمَا يَتَطَلَّبُ حِفْظُه فِيْه .
الثَّاني : الرِّحْلَةُ للأَقْطَارِ ، والمُكُوْثُ فِي الدِّيَارِ والبُّلْدَانِ ، والسَّمَاعُ مِنَ الشُّيُوْخِ فِيْهَا ، والإكْثَارُ مِنَ الأَخْذِ عَنْ كُلِّ شَيْخٍ مِنْ جَمِيْعِ أَصْحَابِهِ عَلَى كَثْرَتِهِم وتَفَرُّقِهِم ِفي كُلِّ بَلَدٍ ونَاحِيَةٍ ؛ لِيَتَمَيَّزَ لَهُ الأَثْبَاتُ مِنَ الغَافِلِيْنَ ، والثِّقَاتُ مِنَ الضُّعَفَاءِ .
الثَّالثُ : مَعْرِفَةُ أحْوَالِ الرُّوَاةِ عَلَى اخْتِلافِ بُلْدَانِهِم ونَوَاحِيْهِم ، ومُذَاكَرَةُ أَئِمَّةِ هَذِه الدِّيَارِ وأصْحَابِ الشُّيُوْخِ فِيْهَا وسُؤالِهِم عَنْ أحْوَالِ شُيُوْخِهِم لِيَقْرِنَ مَعْرِفَتِِِِِه بِشُيُوْخِهِم مَعْ تَقْرِيْرِ أصْحَابِهِم وأَئِمَّةِ الحَدِيْثِ بِبُلْدَانِهِم .
الرابعُ : التَّفَرُّغُ والانْشِغَالِ بِهَذَا الفَنِّ عَنْ غَيْرِه مِنَ العُلُوْمِ سَوَاءٌ بِالتَّدْرِيْسِ لَهُ أو بِالتَّصْنِيْفِ ، فَالتَّفَرُّغُ لِلْعِلْمِ بِدِرَاسَةِ مَا جَمَعَهُ وتَعِبَ فِيْهِ يُخْرِجُ لَهُ مِنْهُ فَهْمَاً لا يَتَيَسَّرَ لِغَيْرِه .
الخَامِسُ : الأَمَانَةُ فِي هَذَا العِلْمِ ، والإنْصَافُ فِيْه ، والشَّهَادَةُ لِلإمَامَةِ فِيْهِ مِنْ أَرْبَابِ هَذَا الشَّأنِ وأَئِمَّتِه
*****موقع . جامع أهل السُّنَّة والحديث
انتهى ، وللهِ الحمدُ والمِنَّةُ .
ويَلِيْه فِي المَقَالَةِ العَاشِرَةِ : تَتِمَّةِ المُهِمَّاتِ عِنْدَ أهْلِ الحَدِيْثِ فِي عِلْمَيْ الجَرْحِ والتَّعْدِيْلِ وعِلَلِ الحَدِيْث.
وكَتَبَه أبو محمد عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد – الإثنين 5/11/1437 هـ .
===
http://hdeth.com/
للإطلاع على المقالات السابقة:
المقالة الأولى
http://www.almeshkat.net/vb/showthre...288#post579288
المَقَالةُ الثَّانِيةُ فِي المَدْخَلِ
http://www.almeshkat.net/vb/showthre...613#post579613
المَقَالةُ الثَّالِثَةُ فِي المَدْخَل
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=147466&p=580594#post580594
المَقَالةُ الرَّابِعَةُ فِي المَدْخَل :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=147467&p=580609#post580609
المَقَالَةُ الخَامِسَةُ :
http://www.almeshkat.net/vb/showthre...652#post580652
المَقَالةُ السَّادِسَةُ فِي المَدْخَل
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=147544
المَقَالةُ السَّابِعَةُ فِي المَدْخَل
http://www.almeshkat.net/vb/showthre...119#post581119
المقالة الثامنة:
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=147901&p=581253#post581253
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)