السلام عليكم ورحمة الله
ما حُكم نقل الميت من بلد إلى آخر ؟
فإني سمعت أن ميتا نُقل من البلد الذي مات فيه إلى بلد أهله ثم نُقل إلى مكة للصلاة عليه ودفنه هناك .فهل هذا جائز ؟
وجزاك الله خيرا
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
لا يجوز نقل الميت مِن البلد الذي مات فيه إلى بلد آخر ، إلاّ إذا تعذّر دفنه في ذلك البلد ، وقد رَدّ النبي صلى الله عليه وسلم قَتْلَى يوم أُحُد إلى مصارِعِهم ، مع أن جبل أحد في طرف المدينة النبويّة .
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِقَتْلَى أُحُد أن يُرَدّوا إلى مَصَارِعهم ، وكانوا نُقِلوا إلى المَدينة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
قال ابن قدامة : لا يُنقل الميت مِن بلده إلى بلد آخر إلاّ لغرض صحيح .
وهذا مذهب الأوزاعي ، وابن المنذر .
قال عبد الله بن أبي مليكة : تُوفّي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشة ، فحُمِل إلى مكة فدُفِن ، فلما قَدِمت عائشة أتت قبره ثم قالت : والله لو حضرتك ما دُفنتَ إلاّ حيث مُت . اهـ .
وقال النووي في نقل الميت من بلد إلى بلد قبل دفنه : قال صاحب الحاوى : قال الشافعي رحمه الله تعالى : لا أُحِبه إلاّ أن يكون بِقُرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس ، فيختار أن يُنقل إليها ، لفضل الدفن فيها .
وقال البغوي والشيخ أبو نصر البندنيجى من العراقيين : يُكره نقله .
وقال القاضي حسين والدارمي والمتولي : يَحْرُم نقله .
قال القاضي حسين والمتولي : ولو أوصى بنقله لم تُنَفّذ وَصيته . وهذا هو الأصح؛ لأن الشرع أمر بتعجيل دفنه ، وفى نَقله تأخيره ، وفيه أيضا انتهاكه مِن وجوه ، وتعرّضه للتغير ، وغير ذلك . وقد صح عن جابر رضي الله عنه قال : كُنا حَملنا القتلى يوم أحد لندفنهم ، فجاء منادى النبي صلي الله عليه وسلم فقال : إن رسول الله صلي الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم ، فرددناهم . رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح . اهـ .
وسُئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن حكم نقل الميت بعد موته مِن بلده إلى المدينة النبوية لدفنه فيها :
فأجاب رحمه الله :
لا يظهر لنا جواز ذلك ؛ لِمَا روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسرعوا بالجنازة فإن تلك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تلك سوى ذلك فَشَرّ تضعونه عن رقابكم " ، وروى الطبراني بإسناد حسن من حديث ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره" ، ولا شك أن في نقله تأخيرا لجنازته وحَبْسًا لها ، زيادة على تعريضها للتغيير والانتهاك ، وإلْزَام تَرِكَته بزيادة كبيرة في مؤنة نقله ، وما يستتبعه النقل من تصبير ونحوه ، وهذا هو الذي دفع عائشة رضي الله عنها أن تقول بشأن أخيها عبد الرحمن ما قالت مما رواه الحاكم في مستدركه بسنده إلى صفية بنت شيبة قالت: قدمت عائشة رضي الله عنها فأتيتها أعزيها بأخيها عبد الرحمن بن أبي بكر فقالت: رحم الله أخي إن أكثر ما أجد في نفسي أنه لم يدفن حيث مات .
قالت: وكان أخوها قد توفي بالحبشي فَخَرَجَت إليه فئة قريش فَحملوه إلى أعلا مكة .
قال في " المغني والشرح الكبير ": ولا يُنقل الميت مِن بلد إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح، وهذا قول الأوزاعي وابن المنذر . قال عبد الله بن أبي مليكة : توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي فحمل إلى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبره ، ثم قالت : والله لو حضرتك ما دفنت إلاّ حيث مُتّ ، ولو شهدتك مازُرتك ؛ ولأن ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير. اهـ .
وفي " فتح القدير" لابن الهمام الحنفي : أما إذا أرادوا نَقله قبل الدفن وتسوية اللبن فلا بأس بنقله نحو ميل أو ميلين . قال المصنف في " التجنيس" لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار . وقال السرخسي: قول محمد بن مسلمة ذلك دليل على أن نقله من بلد إلى بلد مكروه، والمستحب أن يدفن كل في مقبرة البلدة التي مات بها ـ إلى أن قال: ثم قال المصنف : وذكر أنه إذا مات في بلده كره نقله إلى أخرى لأنه اشتغال بما لا يفيد بما فيه تأخير دفنه وكفى بذلك كراهة. اهـ .
ولم يُنقل إلينا أن أحدا مِن الصحابة رضوان الله عليهم نقل بعد موته من بلد إلى بلد ، اللهم إلاّ ما وَرَد عن حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة ، وكذلك ما ذَكَره ابن عيينة مِن أن ابن عمر مات هنا يعني في مكة فأوْصَى ألاّ يدفن هاهنا وأن يدفن بِسَرِف ، فهذان الموضعان قريبان ، مع أن عائشة رضي الله عنها أنكرت نقل أخيها من الحبشي إلى مكة ، والحبشي موضع قريب من مكة . اهـ . (فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله)
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة :
نَقل الميت إلى بلاده لغير ضرورة غير مشروع . اهـ .
وقال شيخنا العثيمين رحمه الله :
لا ينبغي أن يُنقل الميت عن الأرض التي مات فيها ، بل الأفضل أن يُدفن في مكانه وأرض الله تعالى كلها سواء ، اللهم إلا أن يكون في بلد الكفر وليس فيه مقابر للمسلمين ، فهنا يُنقل إلى بلد إسلامي ، ويُدفن مع المسلمين ، وأما في البلاد الإسلامية فَيُدفن الإنسان في مكانه ، ولهذا قال العلماء : يُكره أن ينقل الميت إلى مكان آخر . اهـ .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام دَفْن الميت وتوابعه : أن يَدفنوه في البلد الذي مات فيه ، ولا يَنْقُلوه إلى غيره ؛ لانه يُنَافِي الاسراع المأمور به . اهـ .
وسبق :
هل هناك حديث يدل على زيادة أجر لمن مات في غير بلده ؟
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=25326
ما حكم الصلاة على الميت مرتين مرَّة في بلد الوفاة ومرَّة في بلد الدَّفن ؟
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?p=485737
هل تجوز الصلاة على الميت مرتين في مكانين مختلفين ؟
https://www.almeshkat.net/fatwa/1138
هل يجوز تأخير دفن الميت حتى يجتمع الأهل والأقارب ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=18866
هل يمكن نقل متوفاة من قبر لقبر آخر ؟
http://almeshkat.net/vb/showthread.php?t=61651
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
التعديل الأخير تم بواسطة مشكاة الفتاوى ; 04-14-20 الساعة 11:16 PM
حساب مشكاة الفتاوى في تويتر:
https://twitter.com/al_ftawa
:::::::::::::::::::::
هل يجوز للإنسان أن يسأل عمّا بدا له ؟ أم يدخل ذلك في كثرة السؤال المَنهي عنها ؟
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=98060
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)