النتائج 1 إلى 1 من 1

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    22 - 4 - 2003
    المشاركات
    4,996

    خُطبة جُمعة .. عن الوَرَع


    الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ في أنْفُسِ المؤمنينَ رَادِعا ، ولَهُمْ مِنَ الخوفِ زاجِرا

    أمَّا بَعدُ :
    فإنَّ مِنْ أجلِّ أخلاقِ المسلمِ : صِدقَهُ مَعَ ربِّهِ ، وتَوقِّي مَا حرَّمَهُ اللهُ ، والوقوفَ عندَ المتشابِهِ ، وتَرْكَ ما خالَطَهُ الشكُّ ، فإنَّ الوَرَعَ تَرَكُ ما خالَطَهُ الشكُّ .

    قَالَ إبراهيمُ بنُ أدهمَ : الوَرَعُ تَرْكُ كُلُّ شُبهةٍ .
    وقَالَ يونسُ بنُ عُبيدٍ: الورعُ الخروجُ مِنْ كُلِّ شُبهةٍ ، ومحاسبةُ النَّفسِ في كُلِّ طَرفةِ عينٍ .
    وقَالَ القاضي عياضٌ : الْوَرَعُ التحرجُ عَنِ الشُّبُهَاتِ ، وَأَصْلُهُ الْكَفّ .
    وقَالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : الوَرَعُ : الإمساكُ عَمَّا قَدْ يَضُرُّ ، فَتدخُلُ فِيهِ المحرماتُ والشبهاتُ ؛ لأنَّها قَدْ تَضُرّ .
    وقَالَ الْمُنَاوي : الوَرَعُ: تَجنُّبُ الشبهاتِ خوفَ الوقوعِ في مُحَرَّمٍ .
    وقيلَ : ترْكُ ما يَريُبُكَ ، ونَفْي ما يَعيبُك ، والأخْذُ بالأوثْقِ ، وحَمْلُ النَّفْسِ على الأشقِّ .
    وقِيلَ : النَّظرُ في الْمَطعمِ واللباسِ ، وَتَرْكُ مَا به بَأسٌ .
    وقِيلَ : تَجنُّبُ الشبهاتِ ، ومُراقبَةُ الخَطَراتِ .

    والوَرَعُ يكونُ في المآكِلِ والمشارِبِ والمكاسِبِ وفي الأقوالِ .
    سُئِلَ سُفيانُ بنُ عُيينةَ عَنْ قَوْلِ : " لا شَيْءَ أَشَدُّ مِنَ الْوَرَعِ " ؟ قَالَ : إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ لأَنَّهُ لا شَيْءَ أَشَدُّ عَلَى الْجَاهِلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا يَعْلَمُ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ ، وَكَيْفَ يَتَقَدَّمُ وَكَيْفَ يَتَأَخَّرُ .

    قالَ : وَالْوَرِعُ عَلَى وَجْهَيْنِ :
    وَرَعٌ مُنْصِتٌ , وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ ، إِذَا سُئِلَ عَمَّا لا يَعْلَمُ قَالَ : لا أَعْلَمُ ، فَلا يَقُولُ إِلاَّ فِيمَا يَعْلَمُ .
    وَوَرَعٌ مُنْطِقٌ يَلْزَمُهُ الْوَرَعُ الْقَوْلِيُّ ؛ لأَنَّهُ يَعْلَمُ فَلا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُنْكِرَ الْمُنْكَرَ , وَيَأْمُرَ بِالْخَيْرِ , وَيُحَسِّنَ الْحَسَنَ , وَيُقَبِّحَ الْقَبِيحَ , وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ اللهُ بِهِ مِيثَاقَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ ، وَهُوَ أَشَدُّ الْوَرَعَيْنِ وَأَفْضَلُهُمَا ، وَالْعَامَّةُ لا يَجْعَلُونَ الْوَرَعَ إِلاَّ السُّكُوتَ ، وَأَمَّا الْقَوْلُ وَالْجَرَاءَةُ عَلَى الْقَوْلِ - وَإِنْ كَانَ عَالِمًا - فَهُوَ عِنْدَهُمْ قِلَّةُ الْوَرَعِ . اهـ .

    وقَالَ إسحاقُ بنُ خَلَفٍ : الوَرَعُ في المنطقِ أشدُّ مِنْهُ في الذهَبِ والفِضَّةِ . اهـ .
    وسيأتي الوَرَع المتعلّق باللسان .

    والوَرَعُ طُهْرَةٌ للقَلْبِ .
    قَالَ ابنُ القيِّمِ : والمقصودُ أنَّ الوَرَعَ يُطَهِّرُ دَنَسَ القلْبِ ونجاسَتَهُ ، كَمَا يُطهِّرُ الماءُ دَنَسَ الثوبِ ونجاسَتَهُ ... وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَرَعَ كُلَّهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَقَالَ: " مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ . فَهَذَا يَعُمُّ التَّرْكَ لِمَا لا يَعْنِي مِنَ الْكَلامِ، وَالنَّظَرِ، وَالاسْتِمَاعِ، وَالْبَطْشِ، وَالْمَشْيِ، وَالْفِكْرِ، وَسَائِرِ الْحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ . فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ كَافِيَةٌ شَافِيَةٌ فِي الْوَرَعِ . اهـ .

    والوَرَعُ سَهلٌ مَيْسُورٌ على مَن يَسَّرَهُ اللهُ عليه .
    قَالَ الْفُضَيْلُ : يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ الْوَرَعَ شَدِيدٌ ، وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ أَمْرَانِ إِلاَّ أَخَذْتُ بِأَشَدِّهِمَا ، فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ .
    وَكذلَكَ قَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَان : مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ .
    وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَسْهَلَ مِنَ الْوَرَعِ ، مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ فَاتْرُكْهُ .
    وقَالَ زُهَيْرُ بْنُ نُعَيْمٍ : اجْتَمَعَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَان ، فَقَالَ يُونُسُ : مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنَ الْوَرَعِ ، وقَالَ حَسَّانُ : لَكِنْ مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْهُ ، قَالَ يُونُسُ : كَيْفَ ؟ قَالَ : تَرَكْتُ مَا يُرِيبُنِي إِلَى مَا لا يُرِيبُنِي ؛ فَاسْتَرَحْتُ . اهـ .

    وفضَّلَ السلفُ الوَرَعَ والوقوفَ عِنْدَ المتشابهاتِ ، وتَرْكَ ما يُشكُّ بِهِ على كثيرٍ مِنَ الطاعاتِ والقُرُباتِ ؛ لأنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ يَعْمَلُهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، وَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلا يَتْرُكُهَا إِلاَّ صِدِّيقٌ ، وأخصُّ مِنهُ : تَرْكُ المتشابِهاتِ ، واتقاءُ ما يُشكُّ فيه .

    قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو بنِ العَاصِ رضيَ اللّهُ عَنْهُما : أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا : حِفْظُ أَمَانَةٍ ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ مرفوعا ، ورُوِيَ مَوقوفا ، وَهُوَ أصَحُّ .

    وقَالَ الْحَسَنُ: مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْوَرَعِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ مِثْقَالٍ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ . يعني : مِن النوافِل .
    والوَرَع احتياط للدِّين .
    قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا لا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ .
    وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ : كُنَّا نَدَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الْحَلالِ مَخَافَةَ أَنْ نَقَعَ فِي بَابٍ مِنَ الْحَرَامِ .
    وقال سَهْلُ بنُ عبدِ الله : أَعْمَالُ الْبِرِّ يَعْمَلُهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، وَلا يَجْتَنِبُ الْمَعَاصِي إِلاّ صِدِّيق .

    وقَدْ جَاءَ الحثُّ على تَرْكِ الْمُتَشَابِهِ ، والوقوفِ عِنْدَ حدودِ اللهِ ، والْتِزَامِ الوَرَعِ .
    قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ وابنُ ماجَه والبيهقيُّ في "الشُعبِ" ، وصَحَّحَهُ الألبانيُّ .

    وإنّما يُمْلَكُ الدِّينُ بالوَرَعِ ، ويُباعُ الدِّينُ بالطَّمَعِ .
    قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : قَصْدٌ فِي عِلْمٍ خَيْرٌ مِنْ فَضْلٍ فِي عِبَادَةٍ ، وَمِلاكُ الدِّينِ الْوَرَعُ . رَوَاهُ البيهقيُّ في " شُعَبِ الإيمانِ ".
    وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : يَنْتَهِي الإِيمَانُ إِلَى الْوَرَعِ .
    وقَالَ إياسُ بنُ معاويةَ : كُلُّ مَا بُنِي عَلَى غيرِ أساسٍ فَهُوَ هَبَاءٌ، وَكُلُّ ديانةٍ أُسِّسَتْ على غيرِ وَرَعٍ فَهِيَ هَبَاءٌ .

    وكَما يَكونُ الوَرَعُ عنِ الْمُتَشَابِهِ يكونُ الوَرَعُ عنِ الحرامِ .

    قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضيَ اللّهُ عنه : لا تَنْظُرُوا إِلَى صلاةِ أَحَدٍ وَلا إِلَى صيَامِهِ ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى مَنْ إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ ، وَإِذَا ائْتُمِنَ أَدَّى ، وَإِذَا أَشْفَى وَرِعَ .
    قَالَ الزمخشريُّ : أَيْ إِذا أَشْرَفَ على مَعْصِيّةٍ امْتنعَ .

    ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيِّدُ الوَرِعِينَ ؛ فإنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تورَّعَ عَنْ أكْلِ تمرةٍ واحِدَةٍ ، خشيةَ أنْ تكونَ مِنْ تَمْرِ الصدقةِ ، وتَمْرُ الصدقةِ لا يَحِلُّ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ .
    بَلْ ثَبَتَ مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو بنِ العاصِ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا ، فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ ، فَأَخَذَهَا ، فَأَكَلَهَا ، ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، وَفَزِعَ لِذَلِكَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ ، فَقَالَ : إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا ، فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ . رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ ، وَحَسَّنَ إسنادَهُ الحافظُ العراقيُّ .
    فإذا كَانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اهْتَمَّ لأجْلِ تَمْرةٍ ، خشيَةَ أنْ تَكونَ مِنْ تَمْرِ الصدقَةِ ، فَمَاذا يقولُ مَنْ يَأكُلُ مَا يَعلمُ أنَّهُ صريحُ التحريمِ ، ويبتلِعُ ما يُعادِلُ البعيرَ مِمَّا لا يَحِلُّ لَهُ ؟!

    وقَدْ قَلَّ الوَرَعُ في الناسِ ، وتَجَرّأَ كثيرٌ مِن النَّاسِ على صريحِ الْمُحرَّماتِ ، فضلاً عنِ المتشابِهَاتِ .
    ذَكَرَ الإمامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَخْلاقَ الوَرِعِينَ ، فَقَالَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لا يَمْقُتَنَا . أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَؤُلاءِ ؟ ومَن هو الإمامُ أحمدُ في وَرَعِه ؟!

    أيُّها المؤمنونَ
    لقدْ تَوَرَّعَ السَّلفُ عنْ دقيقِ الأشياءِ فضلا عنْ جَلِيلِها

    قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلاَّ أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ . رَوَاهُ البخاريُّ .

    وكانَ الصالِحونَ يترُكونَ ما يُشكُّ فيه تَنَزُّهًا .
    كَانَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ قَدِ احْتَكَرَ طَعَامًا كَثِيرًا ، فَرَأَى سَحَابًا فِي الْخَرِيفِ فَكَرِهَهُ ، فَقَالَ : أَلا أُرَانِي قَدْ كَرِهْتُ مَا يَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَآلَى أَنْ لا يَرْبَحَ فِيهِ شَيْئًا ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا .

    وقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : كَتَبَ غُلامٌ لِحَسَّانَ بْنِ أَبِي سِنَانٍ إِلَيْهِ مِنَ الأَهْوَازِ : إِنَّ قَصَبَ السُّكَّرِ أَصَابَتْهُ آفَةٌ ، فَاشْتَرِ السُّكَّرَ فِيمَا قِبَلَكَ ، فَاشْتَرَاهُ مِنْ رَجُلٍ ، فَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ إِلاَّ قَلِيلٌ فَإِذَا فِيمَا اشْتَرَاهُ رِبْحُ ثَلاثِينَ أَلْفًا ، قَالَ : فَأَتَى صَاحِبَ السُّكَّرِ ، فَقَالَ : يَا هَذَا إِنَّ غُلامِي كَانَ قَدْ كَتَبَ إِلَيَّ ، فَلَمْ أُعْلِمْكَ ، فَأَقَلَّنِي فِيمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ ، فَقَالَ لَهُ الآخَرُ : قَدْ أَعْلَمْتَنِي الآنَ ، وَقَدْ طَيَّبْتُهُ لَكَ ، قَالَ : فَرَجَعَ فَلَمْ يَحْتَمِلْ قَلْبُهُ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا هَذَا إِنِّي لَمْ آتِ هَذَا الأَمْرَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، فَأُحِبُّ أَنَّ تَسْتَرِدَّ هَذَا الْبَيْعَ ، قَالَ : فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى رَدَّهُ عَلَيْهِ .

    وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: تَرَكَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فِيمَا لا تَرَوْنَ بِهِ الْيَوْمَ بَأْسًا .

    وَكَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ قَدْ بَعَثَ طَعَامًا إِلَى الْبَصْرَةِ مَعَ رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ يَوْمَ يَدْخُلُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ ، فَأَتَاهُ كِتَابُهُ : إِنِّي قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ ، فَوَجَدْتُ الطَّعَامَ مُبَغَّضًا فَحَبَسْتُهُ ، فَزَادَ الطَّعَامُ ، فَازْدَدْتُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ : إِنَّكَ قَدْ خُنْتَنَا ، وَعَمِلْتَ بِخِلافِ مَا أَمَرْنَاكَ بِهِ ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي ، فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ ثَمَنِ الطَّعَامِ عَلَى فُقَرَاءِ الْبَصْرَةِ ، فَلَيْتَنِي أَسْلَمُ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ .

    ولَمّا قِيلَ لِطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ : لَوِ ابْتَعْتَ طَعَامًا فَرَبِحْتَ فِيهِ ؟ قَالَ : إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَعْلَمَ اللهُ مِنْ قَلْبِي غَلاءً عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
    هذا واللهِ هُوَ الوَرَعُ الصَّادِقُ .

    وقَالَ عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ : سَمِعْتُ أَبَا الْوَلَيدِ يَقُولُ : كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ زَائِدَةَ بِالرَّيِّ فَانَطَفَأَ مِصْبَاحُهُ ، فَذَهَبَ غُلامُهُ فَأَخَذَ لَهُ نَارًا مِنْ قَوْمٍ ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ قَالَ : مِنْ مَوْضِعٍ سَمَّاهُ ، قَالَ : فَطَفَأَهُ عُثْمَانُ ، وَقَالَ: لا نستضيءُ بِنَارِهِمْ .

    وتَنَاهَى وَرَعُ السَّلَفِ حَتَّى تركوا أشياءَ دقيقةً حَذرًا مِمَّا بِهِ بَأسٌ .

    أَمَرَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ سَمْنًا ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَرَقَةٍ ، فَأَمَرَ بِرَدِّ الْوَرَقَةِ إِلَى الْبَائِعِ .

    وقَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ التُّسْتَرِيُّ :
    ذَكَرُوا أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مَا طَعِمَ فِيْهَا ، فَبَعَثَ إِلَى صَدِيْقٍ لَهُ ، فَاقتَرضَ مِنْهُ دَقِيْقا ، فَجَهَّزوهُ بِسُرعَةٍ ، فَقَالَ : كَيْفَ ذَا ؟
    قَالَوا : تَنُّورُ صَالِحٍ مُسْجَرٌ ، فَخَبَزْنَا فِيْهِ .
    فَقَالَ : ارفَعُوا .
    وَأَمَرَ بِسَدِّ بَابٍ بَينَهُ وَبَيْنَ صَالِحٍ .
    قَالَ الإمامُ الذهبيُّ : لِكَوْنِهِ أَخَذَ جَائِزَةَ المُتَوَكِّلِ .

    وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حُنَيْفٍ : قَصَدْتَ أُخْتُ بِشْرِ بنِ الحارثِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ , فَقَالَتْ: إِنَّا قَوْمٌ نَغْزِلُ بِاللَّيْلِ وَمَعَاشُنَا مِنْهُ ، وَرُبَّمَا تَمُرُّ بِنَا مَشَاعِلُ بَنِي طَاهِرٍ وَلاةِ بَغْدَادَ وَنَحْنُ عَلَى السَّطْحِ ، فَنَغْزِلُ فِي ضَوْئِهَا الطَّاقَةَ وَالطَّاقَتَيْنِ . أَفَتُحِلُّهُ لَنَا أَمْ تُحَرِّمْهُ ؟ فَقَالَ لَهَا : مَنْ أَنْتِ ؟ قَالَتْ : أُخْتُ بِشْرٍ , فَقَالَ : آهٍ يَا آلَ بِشْرٍ ، لا عَدِمْتُكُمْ ، لا أَزَالُ أَسْمَعُ الْوَرَعَ الصَّافِي مِنْ قِبَلِكُمْ .

    وحَدَّثَ الْعَبَّاسُ بْن سَهْمٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الصَّالِحَاتِ أَتَاهَا نَعْيُ زَوْجِهَا وَهِيَ تَعْجِنُ ، فَرَفَعَتْ يَدَيْهَا مِنَ الْعَجِينِ ، وَقَالَتْ : هَذَا طَعَامٌ قَدْ صَارَ لَنَا فِيهِ شَرِيكٌ .
    وحَدَّثَ ابْنُ رَوْحٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَاهَا نَعْيُ زَوْجِهَا وَالسِّرَاجُ يَتَّقِدُ ، فَأَطْفَأَتِ السِّرَاجَ ، وَقَالَتْ : هَذَا زَيْتٌ قَدْ صَارَ لَنَا فِيهِ شَرِيكٌ . رواهما ابن أبي الدنيا في كتاب " الْوَرَع " .
    والمقصود : أن المالَ انتقلَ إلى الوَرَثَة ، فصَاروا شُركاء في المال ولَهُم فيه حقّ .

    وبَكَى بعضُ الصالحينَ على أعمالٍ يسيرةٍ ، بَلْ لا تكادُ تُذْكَرُ .
    قَالَ عَطَاءٌ السَّلِيمِيُّ : بَكَيْتُ عَلَى ذَنْبٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً ؛ صِدْتُ حَمَامَةً ، وَإِنِّي أَحْمَدُ اللهَ إِلَيْكُمْ تَصَدَّقْتُ بِثَمَنِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ .
    قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَكَأَنَّهُ ارْتَابَ بِهَا : هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ أَوْ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ ؟

    وَقَالَ: كَهْمَسُ بنُ الْحَسَنِ : بَكَيْتُ عَلَى ذَنْبٍ عِشْرِينَ سَنَة . قَالَوا: وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : غَدَّيْتُ رَجُلا فَأَخَذْتُ مِنْ جِدَارِ جَارٍ لِي قِطْعَةَ لَبِنَةٍ لِيَغْسِلَ يَدَهُ . رَوَاهُ البيهقيُّ في " شُعَبِ الإيمانِ" .

    أوّاهُ .. مَنْ مِنَّا سَلِمَ ؟
    واللهِ لنَحْنُ أحقُّ بالبكاءِ ، وأَوْلَى بالنَّدَمِ .
    وَنَحْنُ نبتلعُ ما اشتبَهَ ، ونَأكُلُ ما حَرُمَ .

    وتورّعَ العلماءُ عنِ الفتوى والقولِ فِيها بِلا عِلْمٍ .
    ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ الإمامِ أحمدَ مَسَائِلَ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ : كَانَ فِيهَا مَسْأَلَةٌ دَقِيقَةٌ فِي رَجُلٍ رَمَى طَيْرًا فَوَقَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ ، لِمَنِ الصَّيْدُ ؟
    قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ : لا أَدْرِي .
    قَالَ المروزيُّ : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : مَا تَقُولُ أَنْتَ فِيهَا ؟
    قَالَ : هَذِهِ دَقِيقَةٌ ، مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِيهَا ، وَأَبَى أَنْ يُجِيبَ .
    ما أشدَّ وَرَعَ القومِ عنِ القولَ بِلا عِلْمٍ ، وما أجْرَأنَا على القولِ والفتوى بِلا علِم .

    والوَرَعُ في اللسانِ أنْ لا يُتَجَاوَزَ بِهِ حَدُّهُ
    سُئلَ سفيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: يُغتابُ صَاحِبُ هَوى ؟ قَالَ: يَذْكُرُ مِنْهُ هَوَاهُ ، ولا يَغتَابُهُ فِيما سِوى ذلِكَ .
    قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ : فَتَّشْنَا الْوَرَعَ ، فَلَمْ نَجِدْهُ فِي شَيْءٍ أَقَلَّ مِنْهُ فِي اللِّسَانِ .

    قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ : فَتَّشْـنَا الْوَرَعَ ، فَلَمْ نَجِدْهُ فِي شَيْءٍ أَقَلَّ مِنْهُ فِي اللِّسَانِ .

    ولذا كان الكَفّ عن أعراض الناس عبادة ثقيلة .
    قال ابنُ أبي الدنيا :حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ ، قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ عَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ خَصَافٍ وَخُصَيْفٍ وعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالُوا: أَدْرَكْنَا السَّلَفَ وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْعِبَادَةَ فِي الصَّوْمِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ ، وَلَكِنْ فِي الْكَفِّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ .

    قال ابن القيم رحمه الله :
    الصبر عن معاصي اللسان والفَرْج من أصعب أنواع الصبر لشدة الدّاعي إليهما وسهولتهما ، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان ، كالنميمة والغيبة ، والكذب والمِراء ، والثناء على النفس تعريضا وتصريحا ، وحكاية كلام الناس ، والطعن على مَن يُبغضه ، ومدح مَن يحبه ونحو ذلك ، فتتّفق قوة الداعي وتيسّر حركة اللسان ؛ فيضعف الصبر ، ولهذا قال ﷺ لمعاذ : امسك عليك لسانك ، فقال : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : وهل يَكبّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم . ولا سيما إذا صارت المعاصي اللسانية معتادة للعبد ، فإنه يَعزّ عليه الصبر عنها ، ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورّع مِن استناده إلى وسادة حرير لحظة واحدة ، ويُطلق لسانه في الغيبة والنميمة والتّفكّه في أعراض الخلق ، وربما في أهل الصلاح والعِلم بالله والدِّين ، والقول على الله ما لا يعلم . اهـ .

    أيُّها الكِرامُ
    متى اشْتَبَهَ الحلالُ بالحرامِ فمُقْتَضَى الوَرَعِ تَرْكُ ما تَشَابَهَ .
    قَالَ المَرْوزيُّ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ [الإمامَ أحمدَ] عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ لا يَعْرِفُهُ .
    قَالَ: لا يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَعْرِفَهُ .

    فاتقوا اللهَ عِبادَ اللهِ ، خُذوا ما حَلَّ ، ودَعُوا ما حَرُمَ ، واحفظوا ألسِنَتَكُمْ .

    قَالَ عُمَرُ بنُ ذَرٍّ : يَا عِبَادَ اللَّهِ لا تَغْتَرُّوا بِطُولِ حِلْمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ، وَاحْذَرُوا أَسَفَهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ : (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) .

    (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) .


    الثانية :
    الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، الرحمنِ الرحيمِ ، مالِكِ يومِ الدِّين .
    ثم الصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالَمين .

    اتقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ :

    قَالَ وكيعٌ : الدُّنْيَا عِنْدَنَا حَلالٌ وَحَرَامٌ وَشُبُهَاتٌ ؛ فَالْحَلالُ حِسَابٌ ، وَالْحَرَامُ عَذَابٌ ، وَالشُّبُهَاتُ عِتَابٌ .

    وقَالَ ذو النُّونِ : طُوبَى لِمَنْ كَانَ شِعَارَ قَلْبِهِ الْوَرَعُ ، وَلَمْ يُعْمِ بَصَرَ قَلْبِهِ الطَّمَعُ ، وَكَانَ مُحَاسِبًا لِنَفْسِهِ فِيمَا صَنَعَ .

    أيُّها الكِراَمُ :
    تَمَامُ الوَرَعِ : أنْ يَجْعَلَ الإنسانُ بينْهُ وبينَ الحَرَامِ حَاجِزا .
    قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما : إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ أَدَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلالِ ، وَلا أَخْرِمُهَا .
    وقَالَ أَبو الدَّرْدَاءِ رضيَ اللهُ عنهُ : تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ حَتَّى تَتْرُكَ مَا تَرَى أَنَّهُ حَلالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا .
    وقَالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ : لا يُصِيبُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ حَاجِزًا مِنَ الْحَلالِ ، وَحَتَّى يَدَعَ الإِثْمَ وَمَا تَشَابَهَ مِنْهُ .

    أيُّها المؤمنون :
    الوَرَعُ حِفْظٌ للنفسِ .
    قَالَ جُندبُ بنُ عبدِ اللهِ وهو يُوصي أصحابَهُ : إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ ؛ فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَأْكُلَ إِلاَّ طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ . رَوَاهُ البخاريُّ .

    والوَرَعُ تعبُّدٌ وتَقَرُّبٌ
    قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ : يَقُولُ النَّاسُ : فُلانٌ النَّاسِكُ ، وَإِنَّمَا النَّاسِكُ الْوَرِعُ .
    وقَالَ : أفضلُ الأعمالِ الوَرَعُ ، وأفضلُ العبادَةِ التواضُعُ .

    وقَالَ الخطابيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ : " الصَّبْرُ نِصْفُ الإِيمَانِ "
    يُريدُ الوَرَعَ ، وذلِكَ أنَّ العِباداتِ تَنْقسِمُ إلى قسمَيْنِ : نُسْكٍ ووَرَعٍ ؛ فالنُسْكُ ما أمَرتْ بِهِ الشَّرِيعَة ، والورَعُ ما نَهتْ عَنْهُ . وإنما يُنْتَهَى عَنْ ذَلِكَ بالصَّبْرِ ؛ فَصَارَ الصَبْرُ عَلَى هذا المعْنى كأَنَّهُ نِصْفُ الإيمانِ .
    وقَالَ ابنُ رَجَبٍ : لَمَّا كَانَ الإِيمَانُ يَشْمَلُ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ ، وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَلا يُنَالُ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلا بِالصَّبْرِ ، كَانَ الصَّبْرُ نِصْفَ الإِيمَانِ . اهـ .
    قَالَ ثورُ بنُ يَزيدَ : مَنْ أمَّ هذا البيتَ وَلَمْ يَكُنْ فيهِ ثلاثُ خِصَالٍ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ حَجُّهُ : مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِلْمٌ يَضبِطُ بِهِ جَهْلَهُ ، وَوَرَعٌ عَمَّا حَرّمَ اللهُ عَليْهِ ، وحُسْنُ الصُّحْبَةِ لِمَنْ صَحِبَهُ .

    وما تَجَرَّأَ مَنْ تَجَرَّأَ ، ولا تَسَاهَلَ مَنْ تساهَلَ إلاّ بِغَفْلَتِهِ عن اليومِ الثقيلِ .
    (إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً) .
    التعديل الأخير تم بواسطة مشكاة الفتاوى ; 05-17-15 الساعة 1:59 AM
    حساب مشكاة الفتاوى في تويتر:
    https://twitter.com/al_ftawa

    :::::::::::::::::::::

    هل يجوز للإنسان أن يسأل عمّا بدا له ؟ أم يدخل ذلك في كثرة السؤال المَنهي عنها ؟
    http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=98060


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •