امرأة مطلقة وهي في العدة هل يجوز لها أن تذهب إلى العمرة أو أن تخرج مِن المنْزل ؟
الجواب :
المطلقة طلاقا رجعيا لا يجوز لها أن تخرج وتُسافر حتى تنقضي عدتها ، ويَجوز أن تَخْرُج بالنهار لِحاجة ، وبالليل لضرورة .
ففي صحيح مسلم من حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رضيَ اللّهُ عنهما قال : طُلِّقَتْ خَالَتِي ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُذَّ نَخْلَهَا ، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : بَلَى فَجُدِّي نَخْلَكِ ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي ، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا .
قال النووي : هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِخُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ لِلْحَاجَةِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ : جَوَازُ خُرُوجِهَا فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ . اهـ .
وقال الصنعاني : وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاقٍ بَائِنٍ مِنْ مَنْزِلِهَا فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ ، وَلا يَجُوزُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالُوا : يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِلْحَاجَةِ وَالْعُذْرِ لَيْلا وَنَهَارًا، كَالْخَوْفِ وَخَشْيَةِ انْهِدَامِ الْمَنْزِلِ ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا إذَا تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ، أَوْ تَأَذَّوْا بِهَا أَذًى شَدِيدًا . اهـ .
روى البخاري أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَكَمِ، فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِيِنَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ، وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ : اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْهَا إِلَى بَيْتِهَا .
قال ابن عبد البر : وأجمعوا أن المطلقة طلاقا يملك فيه زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا أَنَّهَا لا تَنْتَقِلُ مِنْ بَيْتِهَا . اهـ .
وقال القرطبي في قوله تعالى : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) ، أَيْ : لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مسكن النكاح ما دامت في العدة ، ولا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ أَيْضًا لِحَقِّ الزَّوْجِ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ ظَاهِرَةٍ، فَإِنْ خَرَجَتْ أَثِمَتْ وَلا تَنْقَطِعُ الْعِدَّةُ . اهـ .
وقال ابن كثير : وَقَوْلُهُ: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) ، أَيْ: فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ لَهَا حَقُّ السُّكْنَى عَلَى الزَّوْجِ مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً مِنْهُ، فَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُخْرِجَهَا، وَلا يَجُوزَ لَهَا أَيْضًا الْخُرُوجُ ؛ لأَنَّهَا مُعْتَقَلَةٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ أَيْضًا . اهـ .
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة :
تأثم المعتدة مِن طلاق رجعي إذا خَرَجَتْ مِن بيت مُطَلِّقها مِن غير إخراج لها إلاَّ إذا دَعَتْ إلى خروجها ضرورة أوْ حاجة تبيح لها ذلك . اهـ .
واخْتَلَفوا في المطلقة طلاقا بائنا .
فقد روى الإمام مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، فَطَلَّقَهَا الْبَتَّةَ , فَانْتَقَلَتْ ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضيَ اللّهُ عنهما .
قال ابن عبد البر : أَمَّا حَدِيثُهُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى ابْنَةِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ انْتِقَالَهَا مِنْ بَيْتِهَا حِينَ طَلَّقَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ؛ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ أَبِيهِ عُمَرَ بن الخطاب وابن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) .
وأجمعوا أن المطلقة طلاقا يملك فيه زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا أَنَّهَا لا تَنْتَقِلُ مِنْ بَيْتِهَا .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَبْتُوتَةِ : هَلْ عَلَيْهَا السُّكْنَى ؟ وَهَلْ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يُسْكِنَهَا أَمْ لا ؟
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِالْمَدِينَةِ وَسَائِرِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ يَقُولُونَ : لا تَعْتَدُّ إِلاَّ فِي بَيْتِهَا . اهـ .
وروى الإمام مسلم مِن حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ ، وَهُوَ غَائِبٌ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ ، فَسَخِطَتْهُ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ، ثُمَّ قَالَ : تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي ، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ .
وقال ابن قدامة بعد أن ذَكَر الخلاف : وَلَنَا مَا رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ، فَتَسَخَّطَتْهُ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ . فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ لَهَا : لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلا سُكْنَى. فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي ، اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . اهـ .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية
حساب مشكاة الفتاوى في تويتر:
https://twitter.com/al_ftawa
:::::::::::::::::::::
هل يجوز للإنسان أن يسأل عمّا بدا له ؟ أم يدخل ذلك في كثرة السؤال المَنهي عنها ؟
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=98060
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)